بعثة الأمم المتحدة في العراق يونامي: رؤية قانونية

شبكة النبأ

2025-09-18 05:00

بقلم: أ.د. علاء إبراهيم محمود

نبذة عن البعثة:

انضم العراق إلى منظمة الأمم المتحدة العام 1945 بعد تأسيسها مباشرة والتزم بميثاق المنظمة من ذلك التاريخ وصادق العراق على العشرات من الاتفاقيات التي شرعتها الأمم المتحدة على شاكلة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وتعد بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) واحدة من أهم المبادرات الأممية لمساعدة بلدنا العراق وتصنف على أنها بعثة سياسية خاصة تأسست العام 2003 بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1500)، وتعزز دورها وتوسع أكثر بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1770) لسنة 2007، وفي الواقع هنالك قرابة (16) منظمة أو برنامج أو وكالة أو صندوق له علاقة بالأمم المتحدة عامل في العراق الآن منها (منظمة الأمم المتحدة للأغذية (الفاو) منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومكتب مفوضية الأمم المتحدة للاجئين وكذلك المنظمة المختصة بشؤون المهاجرين، وصندوق الأمم المتحدة للسكان برنامج الأغذية العالمي وغيرها كثير جداً، وتحتل بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق أهمية كبيرة لدورها المحوري في التنسيق بين البلد والبلدان الأخرى وكذلك الأمانة العامة للأمم المتحدة وسائر الأجهزة الأممية والمنظمات الدولية، إذ فوضت بموجب تخويل عن مجلس الأمن للعمل على:

1- تقديم المشورة والمساعدة إلى حكومة وشعب العراق لتعزيز الحوار الوطني السياسي الشامل والمصالحة الوطنية المجتمعية.

2- المساعدة في إدارة العملية الانتخابية والتداول السلمي للسلطة. 

3- المساعدة في تسيير الحوار الإقليمي بين العراق وجيرانه.

4- حماية وتعزيز حقوق الانسان.

5- الإصلاح على المستوى القضائي والقانوني.

6- العمل مع الشركاء الحكوميين والمجتمع المدني لتنسيق الجهود الإنسانية والإنمائية وتعزيز دور الوكالات التخصصية التابعة للأمم المتحدة وصناديقها وبرامجها.

تتشكل البعثة من:

ممثل خاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، يعاونه نائبان أحدهما للشؤون السياسية والمساعدة الانتخابية، والأخر يتخصص بالشؤون الإنسانية والإنمائية، وقد عمل في البعثة الألاف من الموظفين الدوليين ومن الموطنين العراقيين على مدار السنوات الفائتة وقدمت إضافات نوعية في مساعدة الشعب العراقي. 

أنهاء عمل البعثة:

صدر قرار مجلس الأمن الدولي بالعدد (2732) في 31/5/2024 ليقرر انهاء عمل البعثة بحدود شهر كانون الأول من العام الحالي 2025.

وبالفعل جرى تسليم بعض الأبنية التي شغلتها البعثة في الموصل وبعض المناطق إلى الحكومة العراقية تنفيذا للقرار الدولي أنف الذكر.

ولعل من أهم مضامين القرار الأممي 2732 في 31/5/2024:

تضمن القرار العديد من المضامين المهمة نجملها بالآتي:

1- يؤكد استقلال العراق وسيادته وأهمية تحقيق سلامة أراضيه، واستقرار البلد وازدهاره بعد الانتصار على التنظيم المتطرف (الإرهابي) تنظيم (داعش).

2- أهمية الحوار مع بلدان الجوار العراقي لتحقيق التعاون الإقليمي.

3- يؤكد دعم العراق في معركته المستمرة مع الجماعات الإرهابية بمختلف مسمياتها في ضوء التزامات البلد وفق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.

4- أهمية مواصلة التعافي والإعمار وإحلال الاستقرار وتلبية احتياجات جميع العراقيين بمن فيهم النساء والشباب والأطفال، والنازحون والأقليات.

5- حتمية التصدي للفساد وتعزيز احترام الحقوق والحريات لجميع الأفراد والتأكيد على أهمية المساءلة عن جميع الانتهاكات.

6- تنويع الاقتصاد وتوفير فرص العمل والتصدي للتغير المناخي والتحديات البيئية وشح المياه.

7- تمكين المؤسسات الرسمية من مقومات البقاء والاستجابة للاحتياجات. 

ويشيد القرار بجهود العراق في مجالات: 

1- إقرار قانون الناجيات الايزيديات ودفع التعويضات لهن، وانصاف الضحايا.

2- محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الانسان ومنها قتل المتظاهرين والصحفيين وجرائم الاختفاء القسري وغيرها. 

3- الترحيب بجهود الحكومة العراقية بشأن المرأة والنازحين لاسيما المتواجدين في سوريا وإعادة ادماجهم بالمجتمع في مناطقهم الأصلية.

أهم التحديات التي ساهمت البعثة ولا تزال في تذليلها:

يمكن الإشارة إلى أهم التحديات التي تواجه العراق خلال المرحلة المقبلة وهي:

1- توفير الدعم والمساعدة التقنية والمشورة للحكومة العراقية والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات ومؤسسات المجتمع المدني ومن سواها للعمل على إنجاح التجربة الديمقراطية وبالخصوص الانتخابات لبلوغ انتخابات حرة ونزيهة وبمشاركة عادلة لكل فئات المجتمع لاسيما الأقليات والمرأة انطلاقاً من مبدأ المساواة، وان الانتخابات المقبلة يوم 11/11/2025 ليست نهاية المطاف بل تبرز الحادة لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة الفائزين الجدد على التفاهم في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة وكذلك توفير فرص تدريبية للعمل البرلماني بشقيه التشريعي والرقابي.

2- المساهمة الفاعلة في إيجاد حلول نهائية للمسائل العالقة مع الجارة الكويت وبالتحديد إعادة الممتلكات والمحفوظات الوطنية، والأسرى والمفقودين ان كانوا أحياء أو رفاتهم بما يتفق والتزامات العراق بموجب قرار مجلس الأمن (2107) للعام 2013 والقرار (2732) لسنة 2024، حيث سيواجه العراق وبلا شك ضغوطاً دولية من دولة الكويت وحلفائها لتحقيق تقدم فيما تقدم وبما ان الحكومة العراقية لاتملك ما يمكن ان تقدمه في هذا الملف المعقد كون الأجهزة القمعية في عهد النظام البائد تفننت في إخفاء الضحايا وطمس المعلومات التي تقود إلى أماكن تواجدهم أو أماكن دفنهم، أضف لما تقدم ان القوات الأمريكية غداة احتلالها للعراق نقلت العديد من الملفات المهمة إلى واشنطن ودول أخرى في المنطقة ومنها أجراء كبيرة من الأرشيف العراقي وبالخصوص الجزء المتعلق باليهود العراقيين ولا يستبعد ان الملف الكويتي تم نقله إلى مكان ما بدون علم أو موافقة الحكومات العراقية التي تشكلت بعد العام 2003، ولا تزال مشكلة ترسيم الحدود البحرية بعد النقطة أو الدعامة رقم (162) التي توقف عندها الترسيم بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم (833) للعام 1993 محل خلاف قانوني في العراق بعد نقض المحكمة الاتحادية العليا لقانون التصديق على الاتفاق بين العراق والكويت بخصوص ممرات الملاحة البحرية ما يعظم الحاجة إلى بعثة الأمم المتحدة لتقريب وجهات النظر بين البلدين بما يحفظ حقوق الشعب العراقي والكويتي على حد سواء. 

3- المساهمة في المهام الإنسانية والإنمائية، وفي هذه النقطة يبرز دور المنظمة في التنسيق مع سائر الجهات داخل وخارج العراق ومنها المنظمات غير الحكومية لتحقيق الغايات الإنمائية على جميع الصعد، أضق إلى الجهود الإغاثية والإنسانية التي تتصل بحياة شرائح كبيرة من المجتمع العراقي.

4- إيجاد الحلول المناسبة لإعادة ادماج النازحين إلى سوريا بشكل آمن وطوعي وكريم ممن تم اعادتهم إلى أرض الوطن، وبالخصوص إعادة ادماجهم في المجتمع ومنحهم المساعدة القانونية والوثائق الثبوتية المدنية وبالتحديد المعرضين منهم إلى مخاطر انعدام الجنسية كالأطفال، والأمر ذاته بالنسبة للناجين أو النازحين داخلياً غداة الهجمات الإرهابية التي تعرض لها العراق خلال السنوات الماضية التي أعقبت العام 2003 وإعادة إعمار المناطق المحررة، والعمل على توفير فرص عمل متناسبة مع ضحايا الحروب والنزاعات المسلحة بما يؤمن لهم الحياة الحرة الكريمة.

5- تحسين استجابة الحكومة العراقية لتوفير الخدمات الأساسية المدنية منها والاجتماعية كالرعاية الصحية والدعم النفسي والخدمات التعليمية، بوصف البعثة إحدى الجهات التي تراقب أداء الحكومة وتقييم التقدم أو الإخفاق وتسهم في تقديم النصح والدعم الفني والمالي حيث تنفق البعثة مبالغ كبيرة لتحقيق غايات التفويض الذي تعمل بموجبه في العراق.

6- الجهود المتصلة بإعادة بناء وإصلاح الاقتصاد العراقي بالتنسيق مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبالتنسيق مع المنظمات غير الحكومية والمانحين الدوليين والوكالات الأممية المتخصصة حيث عملت البعثة ولا تزال في مجال اصلاح الهياكل التنظيمية للمؤسسات المالية والنقدية في العراق للمساهمة في تعافي الاقتصاد العراقي وتحديث منظومة القوانين المالية والمصرفية والتنموية.

يشار إلى ان البعثة أسهمت ومن خلال احاطتها الدورية لمجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة في مساعدة العراق في تجاوز العديد من العقبات ومنها رفع العقوبات الاقتصادية بقرارات صدرت عن مجلس الأمن أبرزها العام 2003 و2010 و2017.

بيد ان هنالك مشاكل لا يزال العراق يعاني منها وهو بحاجة لحلها بمساعدة الأصدقاء ومنهم الأمم المتحدة لاسيما المشاكل مع الجارة الكويت فيما يخص (الحدود البرية والبحرية وما أثارته مسألة المصادقة على اتفاقية الملاحة في خور عبد الله للعام 2012 والابار النفطية الحدودية المشتركة) يشار إلى ان العراق تمكن من انهاء ملف التعويضات للجارة الكويت العام 2022 والبالغة (52.4) مليار دولار تحمل وطأتها الشعب العراقي بسبب مغامرات رأس النظام الدكتاتوري البائد.

ويشار أيضاً إلى ان الفقرة (9) من قرار مجلس الأمن رقم (2732) تنص على أنه (ويقرر/ تبقى المسألة قيد نظره) بمعنى أمكانية إعادة النظر بإنهاء أعمال البعثة نهائياً في العراق في شهر كانون الأول المقبل من قبل مجلس الأمن الدولي ذاته الذي يمكن ان يسمح بناءً على ما سيطلبه العراق إمكانية استمرار البعثة أو بعض برامجها التي كانت معنية بها.

فالأمر رهن بما تقرره الحكومة المختصة بموجب الدستور بتقرير شكل وحجم العلاقة مع الأمم المتحدة إذ تشير المادة الأولى إلى أن ((جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي. وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق)) وقريب من هذا المعنى ما ورد بالمادة (109) من الدستور التي انتهت إلى أن من أولى التزامات السلطات الاتحادية أن ((تحافظ على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي)).

وتشير المادة الثامنة على أن ((يرعى العراق مبدأ حسن الجوار، ويلتزم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى، ويسعى لحل النزاعات بالوسائل السلمية، ويقيم علاقاته على اساس المصالح المشتركة والتعامل بالمثل، ويحترم التزاماته الدولية)) وبينت المادة (110) وسائل تحقيق ما تقدم حين أوكلت إلى السلطات الإتحادية ((رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها وابرامها ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية)) فالتمثل والتفاوض في المحافل الدولية ولاسيما مع الأمم المتحدة وأجزتها المتخصصة يكون من اختصاص الحكومة الاتحادية التي منحها الدستور ولاية التفاوض والتوقيع بشأن المعاهدات بالمادة الثمانون حين حدد اختصاصات مجلس الوزراء العراقي ((التفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية والتوقيع عليها أو من يخوله)).

عضو ملتقى النبأ للحوار، تدريسي بجامعة كربلاء

ذات صلة

الليونة والقيادة الناجحةالانتخابات التشريعية القادمة في العراق بين ظاهرتي المقاطعة والاغتراب السياسيسلوك الإنسان وتصرفاته في ضوء نهج البلاغةواشنطن والعدوان على الدوحة: تواطؤ أم خديعةهراء عصري