النظام الدولي ما بعد قمة شنغهاي
قراءة في خطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ
د. أسعد كاظم شبيب
2025-09-06 04:13
في عالم يتجه نحو مزيد من التغيّرات الجيوسياسية والتحديات العالمية المعقّدة، جاءت قمة "منظمة شنغهاي للتعاون بلس" التي عُقدت في مدينة تيانجين الصينية، بتاريخ 1 أيلول/سبتمبر 2025، لتشكّل لحظة فارقة في مسار الحوكمة العالمية. وقد كان خطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ بمثابة إعلان سياسي وفلسفي حول رؤية الصين لشكل النظام الدولي القادم، في وقت يشهد فيه العالم تحولات عميقة تتجاوز الحدود الجغرافية والقطبية التقليدية وبذلك نحاول في هذه المقالة قراءة خطاب الرئيس الصيني في ضوء ابعاد قمة شنغهاي التي شهدت فضلا عن حضور قادة روسيا وكوريا الشمالية وايران ودول أخرى والتي ظلت تشكل هاجساً للمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية خصوصا بعد القصب المتبادل ما بين الكيان الإسرائيلي وايران وتدخل الولايات المتحدة في ضرب المفاعل النووية في ايران، وبذلك نستطيع قراءة الخطاب المذكور وابعاده من خلال المحاور الاتية:
اولاً: خطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ: خارطة طريق للحوكمة العالمية
في كلمته، استند الرئيس الصيني شي إلى الذكرى الثمانين لانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية وتأسيس الأمم المتحدة، لتأكيد أن اللحظة الراهنة تتطلب مراجعة جذرية لنظام الحوكمة العالمية الذي نشأ بعد الحرب. وبينما لم تُغادر ذهنية الحرب الباردة والهيمنة الأحادية المشهد العالمي، فإن التحديات الجديدة – من تغير المناخ والأوبئة إلى الصراعات الجيوسياسية والأزمات الاقتصادية – تفرض على المجتمع الدولي مراجعة شاملة لآليات التعاون الدولي.
من هذا المنطلق، طرح الرئيس شي مبادرة "الحوكمة العالمية" (Global Governance Initiative - GGI) كإطار شامل لإعادة تشكيل النظام الدولي، تقوم على أربعة مبادئ أساسية: المساواة السيادية، الالتزام بسيادة القانون الدولي، التعددية، والتوجه نحو الشعوب، هذه المبادئ لا تمثل فقط دعوة إلى إصلاح شكل الحوكمة العالمية، بل أيضًا نقدًا غير مباشر للنظام الدولي القائم الذي تتهمه الصين ودول أخرى بأنه يخدم مصالح ضيقة لعدد قليل من الدول الكبرى.
ثانياً: الصين والنظام الدولي: من التكيّف إلى القيادة
خطاب الرئيس الصيني في قمة شنغهاي يعكس تحولًا نوعيًا في السياسة الخارجية الصينية. فبينما كانت الصين لعقود مضت تُصنّف نفسها ضمن "الجنوب العالمي" وتتموضع كقوة صاعدة، فإنها اليوم تسعى للعب دور قيادي في صياغة مستقبل النظام الدولي. ولم تعد بكين تكتفي بالمطالبة بإصلاح المنظومة الدولية، بل باتت تقدم بدائل ملموسة، من خلال مشاريع مثل مبادرة الحزام والطريق، وبنك التنمية الآسيوي، والآن مبادرة الحوكمة العالمية. هذه المشاريع تمثّل معًا محاولة صينية لتوسيع أدوات التأثير وتغيير قواعد اللعبة الدولية.
ثالثاً: منظمة شنغهاي: منصة متعددة الأطراف بديلة؟
في سياق خطاب شي، تظهر منظمة شنغهاي للتعاون كأداة مهمة لتعزيز التعددية التي تدعو إليها الصين. ومع التوسّع المتزايد للمنظمة وضمّها لدول ذات ثقل اقتصادي وديمغرافي كبير (كالهند وروسيا وإيران وغيرها)، تصبح المنظمة منصة مرشحة لتشكيل تكتل دولي يعيد التوازن إلى النظام العالمي الذي طالما احتكرته القوى الغربية لكن السؤال المطروح: هل يمكن لمنظمة شنغهاي أن تتحول فعليًا إلى بديل للمنصات الغربية التقليدية مثل مجموعة السبع أو حلف الناتو؟ الإجابة تعتمد على قدرة دول المنظمة على تحقيق تنسيق استراتيجي فعّال، يتجاوز الشعارات إلى سياسات متكاملة.
رابعاً: رؤية الصين وموقع الدول النامية
أحد أبرز ما يميز خطاب شي هو التأكيد المستمر على صوت الدول النامية، وضرورة تمكينها داخل النظام الدولي، سواء من خلال زيادة تمثيلها في المؤسسات الدولية، أو ضمان مصالحها في اتفاقيات التجارة والمناخ والتنمية، وبهذا، يطرح الخطاب نفسه كنداء موجه للدول التي تشعر بالتهميش في النظام القائم، ويقدّم الصين كقائد محتمل لـ"العالم غير الغربي" في مسعاه للحصول على مكانة أكثر عدالة.
واستنتاجا لما تقدم هل العام امام نظام دولي جديد في ضوء ما جاء في قمة شنغهاي وخطاب الرئيس شي جين بينغ يؤشران إلى بداية مرحلة جديدة من الجدل حول شكل النظام الدولي القادم. لم يعد النقاش مقتصرًا على مَن يقود، بل على كيف يُقاد العالم، ومن يضع القواعد، ومن يحق له المشاركة الفعلية في صياغة المستقبل المشترك. وفي الوقت الذي تزداد فيه الانقسامات العالمية وضبابية التعددية، فإن المبادرات الصينية تُقدّم سردية مختلفة عن تلك التي سادت بعد الحرب الباردة. ما إذا كانت هذه السردية ستتحول إلى واقع ملموس، فذلك يتوقف على موازين القوى، وقدرة الدول على التحوّل من خطاب التعاون إلى ممارساته الفعلية.