المفوضية العليا وحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة
تعليق على القرار القضائي الكبير (186/اتحادية /2024) الصادر بتاريخ 24/9/2024
احمد طلال عبد الحميد البدري
2025-09-04 04:41
أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها بالعدد (186/اتحادية/2024) في 24/9/2024، والذي قضى بعدم دستورية البند (الرابع عشر) من المادة (6) من القانون رقم (11) لسنة 2024، وهو قانون التعديل الأول لقانون حقوق ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة رقم (38) لسنة 2013.
تُلزم المادة المذكورة الهيئة العليا للحج والعمرة بتخصيص نسبة (1%) من مقاعد الحج للأشخاص ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة، بحيث يشمل المقعد الشخص ومرافقه بحسب الحاجة. وقد قضت المحكمة بعدم دستورية النص لمخالفته أحكام الدستور، حيث اعتبرت أن تخصيص المقاعد يخالف الشريعة الإسلامية التي اشترطت القدرة المالية والبدنية للحج (الاستطاعة)، كما أنه يخالف المادتين (14) و (16) من الدستور اللتين تنصان على المساواة وتكافؤ الفرص بين العراقيين دون تمييز.
إلا أن هذا القرار يثير خلافًا من عدة جوانب:
أولًا: خلاصة الطعن الدستوري
استندت الهيئة العليا للحج والعمرة في طعنها بعدم دستورية البند (الرابع عشر) من المادة (6) من القانون رقم (11) لسنة 2024 على سندين:
1. مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية: استندت الهيئة إلى أن فريضة الحج واجبة "لمن استطاع إليه سبيلاً"، وأن هذا الشرط يتطلب السلامة البدنية والقدرة المالية. ووفقًا للمادة (2/أولًا/أ) من الدستور لعام 2005، "لا يجوز سن قانون يعارض ثوابت أحكام الإسلام". وبما أن القانون عرَّف ذوي الإعاقة في المادة (1/أولًا) منه بأنه "الشخص الذي يعاني من عاهات طويلة الأمد، بدنية أو عقلية أو حسية، تمنعه من المشاركة بصورة فعالة في المجتمع...الخ"، كما عرَّف ذوي الاحتياجات الخاصة في المادة (1/ثانيًا) بأنه "الشخص الذي لديه قصور في أداء مهامه اليومية أو الاجتماعية، بما في ذلك التعليم أو الرياضة أو الترفيه أو العلاقات العائلية وغيرها..."، ولأن المعاق وذوي الاحتياجات الخاصة تتخلف لديهم الشروط الصحية المطلوبة لأداء المناسك، فإن ذلك يتعارض مع شرط الاستطاعة.
2. مخالفة الدستور: استندت الهيئة إلى أن النص المطعون فيه يخالف المادة (14) من الدستور التي تنص على أن "العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي"، وأيضًا المادة (16) التي تنص على أن "تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين، وتكفل الدولة تحقيق ذلك".
ثانيًا: خلاصة الحكم
ذهبت المحكمة الاتحادية العليا إلى إقرار الأسباب الواردة في الطعن، حيث جاء في حيثيات قرارها: (...وتجد المحكمة أن فريضة الحج هي ركن من أركان الإسلام إذ ورد ذكرها في الكتاب الكريم في الآية (97) من سورة آل عمران: "فيهِ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ". وتُعدّ الاستطاعة من أهم شروط الحج، وتكون بالمال والبدن، بأن يكون الشخص قادرًا على أداء الفريضة وصحيح البدن غير عاجز عن أداء المناسك لما في هذه المناسك من عناء وجهد. فإذا كان الفرد غير قادر على أداء مناسك الحج لعيب في بدنه فلا يجب عليه الحج، ووفقًا للآية القرآنية ولإجماع الفقهاء.
وإن إلزام الهيئة العليا للحج والعمرة بتخصيص نسبة معينة -كما جاء في النص المطعون فيه- لا يتفق مع أحكام المادة (2/أولًا/أ) من دستور جمهورية العراق 2005 التي تنص على "لا يجوز سن قانون يعارض مع ثوابت أحكام الإسلام". إضافة إلى ما تقدم، فإن النص المطعون فيه يخالف مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص المنصوص عليهما في المادتين (14) و (16) من دستور جمهورية العراق. فالعراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي، كما يجب على الدولة أن تكفل تكافؤ الفرص بين العراقيين دون تمييز. حيث إن إلزام الهيئة العليا للحج والعمرة تبعًا للنص المطعون فيه بتخصيص نسبة (1%) من مقاعد الحج إلى فئة ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة يتعارض مع مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص الذي نصت عليه المادة (16) من دستور جمهورية العراق لعام 2005. وتأسيسًا على ما تقدم، قررت المحكمة الاتحادية العليا عدم دستورية البند (الرابع عشر) من المادة (6) من القانون رقم (11) لسنة 2024، قانون التعديل الأول لقانون حقوق ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة رقم (38) لسنة 2013...".
ثالثًا: التعليق على القرار
إن النص الفقهي الذي اعتمده القرار مخالف لثوابت الشريعة، حيث أن لياقة المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة لا تنفي شرط الاستطاعة. فالمحكمة فسّرت الآية الخاصة بالحج دون بيان المصدر، كما لم توضح من هم الفقهاء الذين أجمعوا على سقوط فرض الحج عند عدم توفر الاستطاعة. في حين أن نص الآية مطلق لكل المسلمين (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) ولم يفرق بين صحيح وعليل، فمن استطاع أداء الفريضة فليؤدها، والأصل هو المقدرة والاستثناء هو عدم المقدرة. وقد فُسّر "السبيل" بأنه الزاد والراحلة. ونحن لا نريد الخوض في الآراء الفقهية فهذا ليس تخصصنا، ولكن التفسير الذاتي للمحكمة لمعنى الآية لا يمكن الركون إليه كتبرير لمخالفة أحكام الإسلام، لأن النص القرآني وتفسيره ورد عند الفقهاء.
كما أن دستور جمهورية العراق لعام 2005 نص أيضًا في المادة (2/أولًا/ج) منه على عدم جواز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور. وبالتالي، لا يجوز حرمان ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة من ممارسة شعائرهم الدينية وأداء المناسك. فالمحكمة اعتبرت أن شرط الاستطاعة يتخلف بشكل مطلق عن هذه الفئة دون تمييز بين المعاقين ذهنيًا وعقليًا وفاقدي الإدراك وبين من لديه إعاقة بدنية كفقدان أحد الأطراف أو نتيجة حادث أو عمل إرهابي أو كونه عسكريًا. فكثيرًا ما نلاحظ في التلفزيون أن الكثير من الحجيج يُحملون على أسِرّة متحركة ويؤدون المناسك بسبب كبر السن أو وجود عاهة، وهذا يسمح لهم بالحج وليس منعهم، خاصة وأن الهيئة العليا للحج والعمرة لديها لجان للفحص الطبي، كما ورد في طعنها، ويمكنها اختيار من يستطيع أداء المناسك من ذوي الاحتياجات الخاصة، لا سيما أن النسبة هي (1%) وهي ليست كبيرة.
إن النص المطعون بعدم دستوريته جاء بهدف إعطاء المادة الدستورية التي تعنى بهذه الفئة فاعلية في التطبيق، حيث نصت المادة (32) من الدستور على أن "ترعى الدولة المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة وتكفل تأهيلهم بغية دمجهم في المجتمع وينظم ذلك بقانون". إن هذه الفئة الهشة بحاجة إلى معاملة تفضيلية لدمجها في المجتمع وليس حرمانها من ممارسة أنشطتها بسبب إعاقتها. وهذا يفرغ القانون الذي يدعم هذه الفئة من فاعليته الدستورية.
إن تطبيق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص وفقًا لنص المادتين (14) و (16) من الدستور غير موفق، فليس من المنطقي المساواة بين المعاق وذوي الاحتياجات الخاصة مع الشخص السليم تمامًا. إن هذه المساواة بين متقابلين لا تصح بالقياس. فالأصل الذي قصده النص الدستوري هو المساواة بين الأفراد في ذات الفئة. ولا يمكن المساواة بين النظر الصحيح والمريض، فلكل حالة حكمها الخاص. ووفقًا لهذا المنطق، فإن أي قانون يمنح امتيازًا لفئة معينة سيُطعن به. على سبيل المثال، يمكن الطعن في نسبة التعيين (5%) التي ألزم بها القانون الوزارات لذوي الإعاقة، كما يمكن الطعن في التخفيضات الممنوحة لهم في وسائل النقل، أو الطعن في إعاناتهم الشهرية بحجة تمييزهم عن العاطلين عن العمل الآخرين. وهذا ما يكمل نص المادتين (14) و (16) من الدستور.
مما تقدم، ندعو المحكمة الاتحادية المحترمة إلى إعادة النظر في مفهوم المساواة وتكافؤ الفرص في المادتين (14) و (16) من دستور 2005، لتكون أساسًا لجميع الباحثين القانونيين. والله ولي التوفيق.