احداث السويداء في سوريا.. محاولة لفهم أشمل
د. أسعد كاظم شبيب
2025-07-19 05:45
قد تكون الاحداث التي شهدتها السويداء من اشتباكات مسلحة بين أهالي المدينة التي يقطنها اغلبية من المكون الدرزي السوري وبين مجموعات موالية للنظام الحاكم في سوريا بقيادة احمد الشرع او ما كان يعرف بأبو محمد الجولاني، ملخص موجز عن الطبيعة المعقدة والسيناريوهات المحتملة للوضع السياسي والأمني في سوريا ما بعد بشار الأسد، او بالأحرى لسوريا في ظل حكم جبهة النصرة، التي كانت مصنفة على لوائح الإرهاب من قبل الولايات المتحدة الامريكية.
وقبل الدخول في المعادلات الحاكمة في سوريا ما بعد حكم بشار الأسد الذي كان يصنف على انه موالي لإيران، لابد من الإشارة بداية الى الطبيعة السكانية والجغرافية لمدينة السويداء، وهي مدينة تقع في جنوب سوريا على بعد 100 كم جنوب مدينة دمشق، وتتربّع فوق قمم سلسلة جبلية بركانية خامدة يطلق عليها (جبل الدروز) نسبة للسكان المحليين للجبل، ويتميز الجبل بجمال الطبيعة والمناخ المعتدل البارد صيفاً والبارد جداً في الشتاء، وتتساقط الثلوج على أغلب المرتفعات الجبلية، وترتبط المحافظة بشبكة من الطرق الرئيسية التي تصل المدن الرئيسية بالقرى والبلدات، يُشار إلى ان المدينة تسمى من قبل البعض باسم (فنزويلا الصغيرة) بسبب التدفق إلى المدينة من المهاجرين الفنزويليين من أصول سورية من الأثرياء.
وسكان المدينة هم بشكل رئيسي من الدروز إلى جانب أقلية كبيرة من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، ويشكل العرب السنة 2% من سكانها، وبلغ عدد سكان محافظة السويداء 313,221 نسمة حسب تعداد 2004، اما عن مواقفهم السياسية فقد كانوا يعدون من الموالين لنظام الاسد في سوريا الا ان بعد الاحداث التي شهدتها سوريا في 2011 والتي كانت تطالب برحيل بشار الأسد من السلطة تغير موقف الأغلبية الدرزية من السلطة وظل يطالبون بتغييرها، كما عرف عن الدروز قربهم من الكيان الإسرائيلي المحتل بحكم التداخل السكاني والروحي بينهم، فالدروز في هضبة الجولان المحتلة من قبل إسرائيل وتواجدهم في مدن أخرى بالإضافة الى حضورهم القوي في المؤسسات الأمنية الإسرائيلية خاصة في الجيش الإسرائيلي، وهذا ما بدا واضحا كذريعة للتدخل الإسرائيلي في الشأن السوري بعد افول حكم بشار الأسد.
الجغرافية السياسية لسوريا وتعقيدات المشهد
قد تكون احدى اخطر وابرز الأخطاء التي وقع فيها الشرع بعد هروب بشار الأسد وسيطرته على دمشق انه أراد ان يحكم سوريا بطريقة الفرد والحزب الواحد، عاداً شخصه انه يمثل الأغلبية السنية الموجودة في سوريا، في حين ان سوريا من البلدان التي عرفت بتعقيداتها على مستوى التعدديات الدينية والمكوناتية، بل وحتى المكون السني يشهد انقساما من حكم وايديولوجية الشرع، وعلى مستوى المكونات فهناك العلويون الذين ظلوا يحكمون سوريا طوال اكثر من خمسين عاماً، ويشكلون نسبة سكانية تتجاوز 15% ولهم تواجد سكاني في عدد من المدن ومنها بشكل رئيسي في منطقة الساحل السوري، وتحديدًا في محافظتي اللاذقية وطرطوس، حيث يشكل غالبية السكان في العديد من القرى والبلدات الجبلية، كما أن هناك تجمعات علوية في مناطق أخرى مثل حمص، وحماة، وريف دمشق، وهناك الشيعة الامامية الاثنى عشرية والذين لديهم حضور كبير في عدد من المدن فضلا عن علاقاتهم الخارجية، وهناك المكون الكردي الذي يهمين على عدد من المدن شمالي سوريا وبالتحديد في مناطق الجزيرة (الحسكة)، وعين العرب (كوباني)، وعفرين، ويحظون بدعم امريكي مباشر ويطمحون في إيجاد كيان خاص بهم على المستوى السوري وعلى المستوى الإقليمي بانضمامهم الى الدولة الكردية الكبرى الموعودة.
وهناك الدروز الذين أيضا يشكلون نسبة سكانية في عدد من المدن ومنها مدينة السويداء ولديهم مواقف متباينة الا ان اغلبهم لا يريدون ان يكونوا جزءا من الحكم السوري الجديد ويرجحون ان يكون لهم شان من الحكم خاص بهم، وربما هذا ما تطمح له المكونات الأخرى المذكورة لاسيما اذا ما استمر الحكم في سوريا على شكل هيمنة الجماعة الواحدة والفرد الواحد، ولعل هذا ما يصر عليه الشرع في قبال تقديمه تنازلات على مستوى التطبيع مع إسرائيل، وانشاء دولة على غرار دول الخليج تهيمن على الاخرين بالإغراء التنموي والاقتصادي وهذا ما تفتقر له سوريا على مستوى الغنى في الموارد النفطية، فهي ليس كدول الخليج ولا حتى مثل ايران والعراق.
سوريا والمعادلات الداخلية والخارجية
على الرغم من اعلان الشرع رغبته في إقامة علاقات دبلوماسية مع الكيان الإسرائيلي المحتل، الا انه من الواضح ان هناك انفجاراً لصراع خفي بين إسرائيل وسوريا، ولعل ذلك بحكم الاجندات التي تتصارع في سوريا فتركيا تتقدم شمالاً وإسرائيل جنوباً!، تشير التقارير الى تصاعد الصراع بين إسرائيل وسوريا، وهناك أربعة أطراف رئيسية متورطة في هذا الشأن:
1. إسرائيل تأمل أن تتمتع المنطقة التي يسيطر عليها الدروز في جنوب سوريا بحكم ذاتي فعلي، لتكون منطقة عازلة بينها وبين سوريا وهيئة تحرير الشام (المدعومة من تركيا)، كما تأمل إسرائيل بضم جزء من الأراضي السورية.
2. قادة هيئة تحرير الشام هم سوريون وعدد من الاجانب، ويأملون في توحيد سوريا، لكن الهيئة ضعيفة للغاية وتعدد طواقمها وولاء بعض قادتها لتركيا أكبر من سوريا نفسها ومرتهنة للقرار الخارجي لاسيما من قبل الولايات المتحدة الامريكية، كما أنها تفتقر إلى الأسلحة الثقيلة، وحظر من الحصول على هذه الأسلحة حتى من تركيا.
3. تركيا، التي تقف خلف هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني نفسه، تنتهج منذ سنوات سياسات توسعية، والتوسع نحو شمال وجنوب سوريا هو أحد توجهاتها الاستراتيجية، كما أن النزاع مع إسرائيل قد يمنح تركيا دعماً إضافياً في العالم الإسلامي، وهذا هدف مهم لـ انقرة.
4. أما الدروز، فتعدد طموحاتهم بين الانضمام الى الكيان الإسرائيلي المحتل وبين انشاء كيان سياسي خاص بحكم على نمط الحكم الذاتي في إقليم كردستان او حتى ما يعرف بالفيدرالية وربما هذا ما ترجحه المجموعات المكوناتية والطائفية في سوريا مثل الكرد وحتى العلويين الا ان يواجه بالرفض من قبل الشرع وأطراف خارجية أخرى مثل تركيا.
المشاهد المستقبلية للصراع في سوريا بعد احداث مدينة السويداء
هناك عدد من المشاهد قد يترجح أحدهما او بعضهما في سوريا بقيادة الشرع ببعدها السياسي والايديولوجي وتعقيداتها الإقليمية، ومن هذه المشاهد الاتي:
المشهد الأول: تصاعد الحراك الرافض لحكم وسيطرة الشرع وتمدده إلى مناطق أخرى
ان استمرار الاحتجاجات في السويداء وتحولها إلى حركة أوسع قد تنتقل إلى محافظات أخرى تعاني من الظروف نفسها (مثل درعا، دير الزور، وحتى مناطق سيطرة النظام في دمشق وحلب). يساعد في ذلك عدد من العوامل أبرزها: تفاقم الأزمة الاقتصادية، واستمرار انهيار الليرة السورية، وانسداد الأفق السياسي، وإحباط شعبي كبير داخل مناطق سيطرة النظام الجديد بقيادة الشرع، وبكل تأكيد فأن ذلك يشكل تحدي غير مسبوق للنظام من داخل البيئة الصامتة، واحتمال ظهور قوى محلية جديدة تطالب بإصلاحات أو حكم ذاتي، وقد يقود ذلك الى صراع داخلي جديد أو تدخل أمني قمعي من النظام.
المشهد الثاني: القمع الأمني واحتواء الحراك الرافض لحكم الشرع
قد يتجه النظام الحاكم بقيادة الشرع إلى استخدام أدواته الأمنية والاستخباراتية لاحتواء الحراك، دون التوصل إلى تسوية أو تقديم تنازلات حقيقية، وقد يكون ذلك مستقبلا لاسيما بعد الانسحاب من مدينة السويداء وتسليم الإدارة المدنية لعناصر من داخل المدينة في ظل رفض خارجي للقوة مع أبناء المدينة، بالإضافة الى افتقار عناصر المدن بقيادة الشرع الى الآليات الحضارية في التعامل مع الخصوم، وهذا ما بدا واضحا في انتهاكات حقوق الناس وربما ليس اخرها مع اهل مدينة السويداء.
المشهد الثالث: انفتاح جزئي وإصلاحات شكلية
قد يكون هناك انفتاح نسبي عبر ان يقوم النظام الجديد بقيادة الشرع بتقديم إصلاحات رمزية (مثل تحسين توزيع الدعم، ورفع بعض المضايقات الأمنية) لامتصاص الاحتقان، وهذا أيضا وارد لكنه قد لا يكون كافي وغير مقبول من قبل المكونات السورية التي ترفض ان تدار مناطقها من الاخرين لاسيما مع الانتهاكات الأخيرة في السويداء وقبل في مدن الساحل السوري بحق العلويين وسحقهم بحجة انهم شبيحه او موالين لنظام الاسد السابق.
المشهد الرابع: تطبيق الفيدرالية أو الحكم الذاتي
في ظل الاحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة السويداء وقبلها مدن الساحل السوري بالإضافة الى رفض (قسد) الحركة الكردية المسيطرة على المدن الكردية هيمنة قوات الشرع على مناطقها قد تتجه بعض المناطق مثل السويداء للمطالبة بإدارة ذاتية موسعة، أسوة بما حدث في شمال شرق سوريا (قسد)، أو شمال غرب سوريا (إدلب)، وهناك عدد من العوامل الداعمة لهذا المشهد مثل شعور مكونات محلية بالتهميش، وانهيار مؤسسات الدولة، بالإضافة الى عدم قدرة النظام على السيطرة الفعلية على كامل البلاد.
واستنتاجاً لما تقدم فإن الأحداث التي شهدتها مدينة السويداء أعادت تسليط الضوء على هشاشة الاستقرار الذي يدعيه النظام السوري بقيادة احمد الشرع، وأكدت أن البيئة الصامتة ليست بالضرورة راضية، ورغم خصوصية الطابع السلمي والديني للحراك، فإنّه يعبّر عن احتقان أوسع في سوريا، وقد يكون تعويل الشرع على التطبيع مع الكيان الإسرائيلي المحتل باستقرار الوضع في سوريا وبدعم امريكي خيارا ليس مثاليا، وانما لابد من العمل على ترصين الجبهة الداخلية السورية، والعمل بالأدوات الديمقراطية في الادارة التي لا تهمش الاخرين بدواعي سياسية او الاختلاف الديني والطائفي والمكوناتي، لان الحكم بعقلية الأغلبية الطائفية سوف لا يقود الا الى مزيدا من التفكك الداخلي، وتصاعد الاجندات الخارجية خصوصا من قبل إسرائيل بقيادة رئيس وزرائها نتنياهو الذي يريد ان يفرض واقع اخر جديد في منطقة الشرق الأوسط بقيامه التوسع الإسرائيلي في قبال عدم الاستقرار السياسي والأمني لدول المنطقة.