فاجعة الكوت: بين الحزن الشعبي والإهمال الرسمي

أوس ستار الغانمي

2025-07-19 05:43

في لحظة مأساوية لن تُنسى، استيقظت مدينة الكوت على واحدة من أبشع الفواجع في تاريخها الحديث، حيث التهم حريقٌ هائل مركز تسوق "هايبر ماركت" في قلب المدينة، حاصدًا أرواح العشرات، معظمهم من الشباب والأطفال والعوائل التي خرجت للتسوق في يوم بدا عاديًا، قبل أن يتحول إلى كارثة وطنية تهزّ الوجدان.

دموع على أسماء لن تعود

من بين القصص التي خطفت الأنفاس وجعلت المأساة أكثر ألمًا، كتب الدكتور كاظم خلف العلي منشورًا مؤلمًا نعى فيه طالبة الماجستير المتفوقة "رغد"، التي كانت قد أرسلت له نسخة من رسالتها مع كتاب هدية، محاولةً أن تُرضيه بعد تأخرها عن بعض المواعيد. كتب:

"عودي يا رغد... ما عدت زعلانا"، واصفًا كيف أن حزنه اليوم ليس على تلك التأخيرات الصغيرة، بل على فقدان طالبة نجيبة، كانت تريد أن تودّعه بطريقة تليق بعلاقة أستاذ بطالبته، لكنها ودّعته إلى الأبد. رغد قضت مع شقيقاتها في تلك الليلة المشؤومة، وغادرن الحياة تاركات خلفهن ألمًا ثقيلًا في قلب كل من عرفهن.

أما الأستاذة ابتسام عبد السادة، فكتبت عن طالبها "سيف" الذي رحل في الحريق، وقالت:

"كان من الطلاب الخلوقين، لا أذكر أنني سمعت صوته يومًا، لكنه كان دومًا حاضرًا، يعمل ليعيل نفسه وعائلته. الآن رحل، وترك مقعده وأحلامه هناك، وسط اللهب".

وفي مشهد مفجع، يروي أحد المواطنين عبر لقاء تلفزيوني أن زوجته اتصلت به وقالت له:

"ابريني الذمة... ابنك مات"، ثم ماتت هي أيضًا.

العبارة تلخص حجم المأساة، وألم الفقد الذي ضرب عائلات بأكملها، تركت منازل خاوية وأحلامًا محترقة.

موت عائلة كاملة... والعيادة مغلقة إلى الأبد

ومن القصص المفجعة الأخرى، اختفت عائلة كاملة تحت ألسنة اللهب، بينهم طبيبة معروفة في المدينة، وزوجها المهندس، وطفلاهما ووالدة الزوج. لم يُعرف عنهم شيء بعد اندلاع الحريق إلا من خلال إعلان نعي على باب العيادة التي كانت مقصدًا للمرضى لسنوات.

الناس الذين عرفوا هذه الأسرة تحدثوا عن أخلاقهم وعلمهم ومحبتهم للناس، وكيف كانت الطبيبة تُعرف بإنسانيتها قبل مهارتها الطبية.

المأساة التي كان يمكن تفاديها

ومع تصاعد الحزن والغضب، كشفت التصريحات الرسمية عن حجم الإهمال الكارثي الذي أحاط بهذا الحريق. فقد صرّح محافظ واسط أن مالك مركز التسوق لا يمتلك إجازة بناء أو استثمار، وأن المول افتُتح قبل يومين فقط، بدون أي موافقات رسمية.

وتابع: "لا توجد أنظمة إنذار أو إطفاء، ولا مخارج طوارئ بالعدد الكافي... لقد كانت النتيجة متوقعة مع هذا الإهمال".

وبناءً على ذلك، صوت مجلس محافظة واسط على سحب يد مديري بلدية الكوت والسلامة المهنية، محمّلاً إياهم جزءًا من مسؤولية الكارثة، في وقت يطالب فيه المواطنون بمحاسبة فعلية لا تقتصر على الإقالات الشكلية.

الأسئلة المؤلمة: من يحمي الناس؟

وسط هذا الحزن العميق، يتساءل أهالي الكوت والعراقيون عمومًا:

من المسؤول عن السماح بفتح مشروع بهذا الحجم من دون موافقات؟

أين كانت الجهات الرقابية؟

لماذا لا تزال أرواح الأبرياء تُحرق بسبب الفساد والتقصير؟

القلوب لا تزال تنزف على ضحايا لم يكن لهم ذنب سوى أنهم اختاروا أن يخرجوا في يوم صيفي للتسوق. أما الأطفال الذين غادروا الحياة في لحظة رعب، فلن يجيب أحد عن صرخاتهم الأخيرة.

صرخة مجتمع بأكمله

الكوت اليوم حزينة، لكن خلف هذا الحزن غضبٌ مشروع. الغضب من نظام إداري فاسد يفتح الأبواب للاستثمار العشوائي على حساب أرواح الناس. الغضب من إهمال الأنظمة، من ضعف الرقابة، من غياب الدولة حين يحتاجها المواطن بشدة.

إن فاجعة مول الكوت ليست مجرد حريق، إنها جرس إنذار جديد عن حجم الخلل في منظومة السلامة والمسؤولية.

المطلوب ليس فقط إعلان الحداد، بل محاسبة فعلية، وإعادة النظر في كل ما يتعلق بالأمن والسلامة في الأماكن العامة، لأن حياة الإنسان يجب أن تكون أولوية، لا مجرد رقم في خبر عاجل.

رحم الله الضحايا، ولعن الله الإهمال.

ذات صلة

احداث السويداء في سوريا.. محاولة لفهم أشملالسوداني: شكرا للتوضيحإيران والزناد الأوربيالقيمة المعرفية للقرآنخِصالٌ