تعريف الدولة الوطنية والهوية الدينية

حسن السباعي

2025-07-15 05:09

ما هو تأثير نزعة العسكرة والصراعات الاقليمية في الشرق الأوسط على الدولة الوطنية من حيث قوتها او ضعفها، تفككها او فشلها؟ وكيف تنظر الى مستقبل الدولة الوطنية في الشرق الاوسط؟

لا يمكن للعسكرة أو الصراعات الإقليمية أن تترك بمفردها تأثيرا مباشرا على الدولة الوطنية ومؤسساتها، إذ أن التأثير يتم عبر وسائط أخرى من قبيل الرأي العام والإعلام والمؤسسات المترابطة بشكل أو بآخر، بل وحتى مع وجود هذه الوسائط فإنه ما لم تكن هنالك إرادة للتأثر لدى الدولة فلن تتأثر الدولة أبدا على أرض الواقع إيجابا أو سلبا..

مثال ذلك: الصراع الذي غيّر العراق عام ٢٠٠٣ م؛ لم يترك أي تأثير على نمط الدولة الوطنية في دول الجوار، وكذلك ما عرف بالربيع العربي الذي بدَّل وغيَّر بعض الأنظمة إلا ان ذلك لم يؤدِ إلى أي تغيير عند دول الإقليم في الشأن المذكور، ومثله ما يجري حاليا من الصراع الإيراني الإسرائيلي حيث لا يوجد أي تأثير ملموس على دول الجوار في هذا الجانب.

من هنا وبناء على ما سبق؛ فإن أحد أهم الوسائط هو (الرأي العام) الذي يحتّم بإرادة قادته ونهجهم كيفية تكوين هويته من جديد، فهذه الكواليس التي تكوّن الرأي العام هي التي تتحكم في التأثير، وتظهر على شكل رأي عام، وربيع عربي، وانتصار ثورة أو تمرد، وما شابه.. هي التي تحدد هوية الوطن، وتحديد هذه الهوية بحد ذاته هو رد فعل جمعي لمختلف الأفراد والمناهج، ولن يبرز هذا التعريف الجديد او الهوية المستحدثة إلا بعد حدوث صراعات وتحديات واندماج ثقافات، وبعدها يتكوّن مصداق جديد لهوية جديدة تؤثر على الدولة الوطنية من خلال اتخاذ سياسات جديدة والتي ستكشف عن ضعفها أو قوتها، وتفككها أو فشلها، وبكلمة واحدة تكشف عن حقيقتها، وهو ما سعت الدول المتطورة حاليا لصقله وفهمته بعمق متجذر في مناهج التعليم والتدريب والعمل؛ كالنموذج الياباني مثلا.

ويمكننا توضيح ذلك أكثر بمنهج تاريخي؛ حيث أدى التغيير في العراق إلى ان تبرز السعودية كمحامٍ عن النظام السابق، فأخذت تفعل كل ما بوسعها لإبراز الهوية التي كانت مخفية من قبل، فتحولت من عدو إلى صديق بالنسبة للوضع السابق.

بل حتى وان تمظهرت بعض الصراعات بالجانب القومي، فإن الجذور العميقة تصل إلى أصل ديني غالبا.

مثال ذلك: الصراع الذي جرى في البلقان في عقد التسعينيات من القرن الماضي حيث وقفت الإدارة الأميركية إلى جانب البوسنيين في صراعها مع الصرب، رغم كون الأولى مسلمة والأخرى مسيحية، وذلك وبسبب العودة إلى التاريخ؛ حيث إن أصل البوسنة منحدر من أسبانيا والتي كانت لها جذور مسيحية إبان اكتساح المسلمين للقارة الأوروبية ودولتهم في الأندلس، كما يشير صاموئيل هنتغتون في "صِدام الحضارات".

وعليه فإن ما يرتبط بالوضع الراهن؛ حيث في حال حدوث تغيير مرتقب في الشرق الأوسط؛ فإن التقسيم الديني سيطغى على أي جانب قومي أو حتى ولاء اجتماعي أو وطني، وحينها ستضطر الدولة الوطنية إلى أن تقوم بتعريف هويتها من جديد على قاعدة أن الذي ينظم الجبهات أو السياسات هو الهوية الدينية قبل العرقية أو القومية أو اللغوية.

 وبعبارة أخرى؛ فإن نتيجة الصراع سترسم الدولة الجديدة والذي لن يكون خارجا عن حالتين؛ إما أن دولة "بين النهرين" سترى نفسها شاءت أم أبت ضمن "إيران الكبرى"، وإما العكس حيث التجزئة والإنشقاق، وذلك في حال وقوع تقسيمات جديدة نتيجة احتمال انهيار إيران الحالية.

* مداخلة مقدمة الى الجلسة الحوارية التي عقدها مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، التي عقدها تحت عنوان: (مستقبل الدولة الوطنية في الشرق الاوسط في ظل نزعة العسكرة والصراعات الاقليمية)

ذات صلة

العقيلة زينب: امرأة دافعت عن العالم كلهمركز الامام الشيرازي ناقش.. دور الوعي الاجتماعي بثقافة التعددية في بناء الاستقرارالامام علي السجاد (ع) والثبات على المبادئ في مقارعة الطاغية والفاسدالركود السياسي في العراق: لماذا لا تتغيّر الوجوه منذ 2003؟إيران بعد المعركة