المال السياسي وأثره في تقويض الديمقراطية الانتخابية في العراق

محمد حسن الساعدي

2025-07-14 02:27

بات المال السياسي أحد أخطر التهديدات التي تُواجه الانتخابات في العراق، حيث تحوّلت العملية الديمقراطية من وسيلة لتعبير الشعب عن إرادته، إلى ساحة صراع مالي تُحسم فيها النتائج لمن يملك القدرة على الإنفاق الأكبر، فهو يُستخدم في شراء الأصوات، تنظيم حملات إعلامية مضللة، واستغلال موارد الدولة لدعم مرشحين متنفذين. وقد أدى ذلك إلى إقصاء الكفاءات والمستقلين، وتكريس وجوه فاسدة في مواقع القرار، لا تمثل الشعب بل تمثل من دفعوا للوصول.

من اهم الآثار الخطيرة هي تراجع الثقة بالعملية السياسية، تكرار الفشل التشريعي، وغياب التنمية. وما يزيد الطين بلّة هو ضعف الرقابة القانونية وتواطؤ بعض الجهات مع هذه الممارسات، في ظل سكوت انتخابي وقضائي مخجل، كما أن مواجهة المال السياسي تبدأ بإصلاح القوانين، وتمكين القضاء، ودعم الشفافية، لكن الأهم من ذلك هو وعي الناخب. فصوت المواطن ليس للبيع، بل هو أمانة وطنية يجب أن تُمنح لمن يستحق.

يُعدّ استخدام المال السياسي في الانتخابات من أبرز الظواهر التي تهدد نزاهة العملية الديمقراطية، وتُفرغ مبدأ “صوت المواطن” من محتواه الحقيقي. ففي الوقت الذي يُفترض أن تكون الانتخابات وسيلة لتعبير الشعب عن إرادته بحرية، يتحول المال السياسي إلى أداة لشراء الذمم، والتأثير على اختيارات الناخبين، وإعادة إنتاج الطبقة السياسية نفسها، بعيداً عن معايير الكفاءة والنزاهة.

يٌقصد بالمال السياسي الأموال التي تُستخدم في الحملات الانتخابية خارج الأطر القانونية أو الأخلاقية، كدفع الرشى، وتمويل الدعاية المضللة، وشراء الأصوات، أو التأثير على وسائل الإعلام والترويج الإعلامي المكثف لصالح مرشحين بعينهم. وغالبًا ما تكون مصادر هذا المال غير مشروعة أو مرتبطة بمصالح تجارية وشبكات فساد، أو ربما استخدام المال السياسي وموارد الدولة، وأصبح المال السياسي جزءًا من مشهد الانتخابات منذ عام 2005 وحتى اليوم.

 الأحزاب السياسية الكبرى التي تسيطر على مفاصل الدولة، غالبًا ما توظّف المال العام، أو أموالاً مشبوهة من الفساد أو الخارج، في التأثير على مجرى الانتخابات. ويتم ذلك من خلال توزيع البطانيات، الكوبونات، رشى مباشرة، أو تنظيم مؤتمرات وحملات انتخابية فارهة لا تتناسب مع دخل المرشح المفترض، كما تسهم شبكات المحاصصة الحزبية في توجيه المال السياسي نحو دعم مرشحين موالين لمنظومات الفساد، ما يؤدي إلى تدوير النخب نفسها، وإقصاء المستقلين وأصحاب المشاريع الإصلاحية، الذين يفتقرون للدعم المالي.

إن استمرار هذه الظاهرة يخلق بيئة انتخابية غير عادلة، يُهمّش فيها المواطن الواعي، ويُشجّع على العزوف عن المشاركة السياسية. كما يؤدي ذلك إلى إنتاج برلمان هشّ ومختل التوازن، تكون فيه الغلبة لأصحاب النفوذ المالي، وليس لأصحاب الرؤى والمشاريع الوطنية، كما أن المال السياسي يُعيد تكريس الفساد، إذ يدخل المرشح البرلمان بدافع “استرداد ما أنفقه”، وليس لخدمة المواطنين. وهذا ما يفسر استمرار الفشل في التشريع والرقابة، وانعدام التنمية الحقيقية في البلاد.

من أهم الادوات المهمة لمواجهة هذه الظاهرة، لا بد من إجراءات متعددة:

 1. تشديد الرقابة على الإنفاق الانتخابي.

 2. تفعيل دور مفوضية الانتخابات والقضاء في مراقبة مصادر تمويل الحملات.

 3. إصدار قوانين رادعة لشراء الأصوات واستخدام المال العام في الانتخابات.

 4. دعم الأحزاب والتيارات النظيفة التي تعتمد على الجماهير، لا على المال.

 5. توعية الناخبين بخطورة بيع أصواتهم مقابل منافع مؤقتة.

يبقى المال السياسي أخطر التحديات التي تواجه الديمقراطية الناشئة في العراق وغيره من دول المنطقة. ولن يتحقق الإصلاح الحقيقي إلا عندما يُفصل المال عن السياسة، ويُعاد الاعتبار لصوت الناخب، لا لجيوب المرشحين.

ويبقى السؤال المطروح هل نُبقي على الوضع كما هو، أم نُعلنها ثورة على المال الفاسد؟ الخيار بأيدينا.

ذات صلة

تُربةُ كربلاء: كرامة وبركاتاستطلاع: ما مدى أهمية غرس القيم السوية المستوحاة من ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، في المناهج التربوية والتعليمية للأجيال القادمة؟الإمام الحسين (ع) في الزيارات المأثورةالألفية الثالثة.. عصر الجاسوسية الرقمية والهجمات السيبرانيةالخوف يقوّض الديمقراطية