الديمقراطية المستقرة

محمد عبد الجبار الشبوط

2024-09-26 07:44

تعد الديمقراطية من الركائز الاساسية للدولة الحضارية الحديثة. وقد لحظ واضعو الدستور العراقي الدائم هذه المسألة حيث نص في المادة الاولى على ان نظام الحكم في العراق "جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي"، بل ان الدستور منع في المادة الثانية "سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية"، ولم يحدد الدستور "مبادىء الديمقراطية" واكتفى بالفهم العام لها وبما ورد في الباب الثاني من الحريات والحقوق التي تعد من مستلزمات الديمقراطية. 

لكن الادب السياسي المتعلق ببناء الدولة state building يستخدم مصطلحا اضافيا هو الديمقراطية المستقرة stable democracy الذي يعني نظام حكم ديمقراطي يتميز بالاستقرار والقدرة على الاستمرار على المدى الطويل دون انهيارات أو تغييرات جذرية غير محسوبة.

وتتميز الديمقراطية المستقرة بما يلي:

1. الالتزام بالدستور الديمقراطي وترتيبات تولي وتبادل السلطة: احترام الدستور، إجراءات واضحة لتولي السلطة، تداول سلمي للسلطة، والحد من التعديلات غير الضرورية.

2. سيادة القانون: الجميع، بمن فيهم الحكام، خاضعون للقانون.

3. الانتخابات الحرة والنزيهة: إجراء انتخابات دورية تتيح للمواطنين اختيار ممثليهم بحرية.

4. الفصل بين السلطات: وجود توازن بين السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية.

5. حقوق الإنسان: احترام وحماية حقوق الإنسان بما فيها حقوق الأقليات.

6. الشفافية والمساءلة: الحكومات تكون شفافة وخاضعة للمساءلة أمام الشعب.

7. حرية الإعلام والتعبير: إتاحة حرية الصحافة والتعبير دون قيود.

8. تعزيز الثقافة الديمقراطية: تثقيف المواطنين على قيم ومبادئ الديمقراطية. وهذا امر تتولى المدارس القيام به بصورة مكثفة.

9. بناء مؤسسات قوية: تطوير مؤسسات حكومية قوية وفعالة.

10. الحث على المشاركة السياسية: تشجيع المواطنين على المشاركة في العملية السياسية.

11. مكافحة الفساد: اتخاذ خطوات جدية لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية.

12. الابتكار والتطوير المستمر: ملاءمة النظام لمتطلبات الزمن والتحديات الجديدة.

13. تمكين المجتمع المدني: دعم منظمات المجتمع المدني لتكون فعّالة في مراقبة ومساءلة الحكومة.

والواضح ان النقاط السابقة، وغيرها مما لم اذكر، تندرج ضمن ما سماه لاري دايموند thick democracy وهو المقياس الاعلى للنظام الديمقراطي المراد تحقيق في الدولة الحضارية الحديثة.

وتتقاسم عدة اطراف مسؤولية ارساء وتحقيق الديمقراطية في المجتمع وفي مقدمة هذه الاطراف الحكومة، والاحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، وصناع الرأي من الكتاب والفنانين والادباء والمتحدثين باسم الفهم الحضاري للدين ( ولا اعني اولئك الخطباء الذين يشيعون الروح السلبية في المجتمع) حيث تتكاتف جهودهم من اجل تثقيف المواطنين على قيم ومبادئ الديمقراطية وتطوير مؤسسات حكومية قوية وفعالة و حث المواطنين على المشاركة في العملية السياسية واتخاذ خطوات جدية لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية وغير ذلك من النقاط المذكورة ضمن خصائص الديمقراطية المستقرة.

و باختصار، الديمقراطية المستقرة تعتمد على التوازن والتعاون بين المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني، مع الالتزام بالحقوق والواجبات.

وتحتاج الفقرة الاولى اي الالتزام بالدستور الى بعض التوضيح هنا حيث تعتبر الدساتير الديمقراطية الإطار القانوني الذي يحدد كيفية تنظيم السلطة وتوزيعها وتداولها. يجب أن يكون هناك التزام صارم بالدستور واللوائح التي تحدد كيفية تولي وتبادل السلطة. و هذا يتضمن:

1. احترام الدستور: التزام جميع الأطراف بالدستور كوثيقة ناظمة للعلاقات بين السلطات المختلفة، وبين الحكومة والمواطنين.

2. الإجراءات الواضحة لتولي السلطة: وضع إجراءات واضحة ومعلنة لتولي المناصب القيادية والتنفيذية.

3. التداول السلمي للسلطة: ضمان أن يتم تداول السلطة بطريقة سلمية وديمقراطية من خلال الانتخابات الدورية.

4. الحد من التعديلات غير الضرورية: عدم تعديل الدستور إلا في حالات الضرورة القصوى وبعد مناقشات مستفيضة تضمن التوافق الوطني.

ذات صلة

التقية المداراتيّةأثر التعداد السكاني على حقوق المواطنينبناء النظرية الدينية النقديةأهمية التعداد العام للسكان في داخل وخارج العراقالأيديولوجية الجندرية في عقيدة فرويد