المشاريع الصغيرة والمعوقات الكبيرة

مصطفى ملا هذال

2024-09-22 04:44

بين فترة وأخرى يخرج آلاف من الخريجين بتظاهرات للمطالبة بفرص تعيين في القطاع الحكومي العام، وفي غضون ذلك يصرح مسؤولون في الحكومة بعدم إمكانية المؤسسات الحكومية استيعاب جميع المخرجات وعلى الخريجين البدء بمشروعات خاصة بدلا من البقاء في الشارع والنظر الى رحمة الحكومة.

السؤال الأول هنا هل الأرضية العراقية خصبة لنمو المشروعات الخاصة؟

ولو افرضنا انها كذلك فما هو الدعم الذي ممكن ان يحصل عليه الخريج لإنشاء مشروعه الخاص؟

المشروع الخاص كالجنين يحتاج لبيئة خاصة ومحيط يوفر له ظروف البقاء على قيد الحياة، وعدم توفر مثل هذه البيئة يمكن ان يصاب الجنين بالامراض وتتعرض حياته للخطر ومن ثم الموت او العيش بصورة عليلة طوال الحياة، وهنا يمكن التركيز على نوعين من المشروعات الصغيرة.

النوع الأول هو الذي جاء بعد دعم حكومي ضمن حملتها لدعم المشروعات المحلية وتطوير القطاع الخاص، ومما يسجل على هذه المبادرة الحكومية هو عدم المتابعة الكاملة لحركة الأموال المقدمة للمواطن الراغب بافتتاح مشروعه الخاص، وبغياب هذه الحلقة ذهبت اغلب الأموال الى أبواب صرف مغايرة لتلك التي صرفت لأجلها.

فمثلا صرفت عشرات الملايين على تطوير الثروة الحيوانية لكن نسبة كبيرة من هذه الأموال ذهبت لشراء العجلات الفاخرة وتشييد الدور الكبيرة، كل ذلك يجري دون علم الحكومة او الجهات المانحة، وفي النهاية لم تؤدي هذه المبادرات غرضها الأساس والهدف من اطلاقها.

اما النوع الآخر من المشروعات الصغيرة، هي التي لا تحظى بدعم حكومي، واعتمد أصحابها على دخلهم الخاص، ومع ذلك فأنها تعاني اليوم من عدم ديمومتها او توسعها لأسباب كثيرة ومعرقلات سنتطرق اليها تباعا مع التركيز على أهمها.

كلا النوعين من المشروعات يعاني من محاصرة المستورد من الخارج، فمثلا لدينا الكثير من مصانع انتاج سائل الغسيل، في جميع المحافظات، ومع ذلك لا توجد خطة حكومية لتقليل الاستيراد وفسح المجال امام المنتج المحلي لأخذ مساحته والعمل ببيئة تجارية آمنة.

البيئة الآمنة تحفز المنتج وصاحب المشروع على التطوير المستمر والتوسع لتغطية السوق والحاجة المحلية، فضلا عن التضييق على المنتج المستورد، بصورة تدريجية وقد يؤدي هذا التضييق الى الاخفاء من الأسواق، شريطة ان يقوم المصنع بتجويد صناعته وجعلها منافسة الى حد كبير للمنتجات الأجنبية الأخرى.

المشروعات الصغيرة لا تعود بالفائدة على أصحابها فقط، فمع الانتشار لهذه المشروعات تتسع دائرة الفائدة والانعكاسات الإيجابية المتمثلة بتشغيل العديد من الايدي العاملة.

ابسط مشروع خاص يحتاج لإدارته من خمسة الى عشرة اشخاص وبالنتيجة فهو سبب في عيش اسر هؤلاء الأشخاص، وقس على المشروعات التي تطورت واستقطبت المئات من العاطلين عن العمل وبجميع التخصصات، ومن هنا تنبع أهمية المشروعات الخاصة وضرورة دعمها المتواصل.

وبهذا الدعم تحولت شركات عملاقة مثل أمازون وهوندا وفيراري وغيرها من الشركات، الى ما هي عليه الآن بعد ان كانت مشاريع صغيرة بدأت أعمالها من مساحة صغيرة ومن كراج للسيارات.

فكرة تطوير وتشجيع الشباب للعمل في مشاريعهم الخاصة تعتبر فكرة ممتازة، لكن في العراق فان العديد من أصحاب المشاريع الصغيرة أوقفوا مشاريعهم بسبب البيروقراطية الحكومية المتبعة لإكمال المعاملات الخاصة بالمشروعات الصغيرة، وغيرها من الأساليب المتمثلة بالعمولات للمتنفذين والمسؤولين عن إتمام تلك الإجراءات والتي عادة ما تكون عبئ يجعل المستثمر يفضل إيقاف المشروع ليوقف معه الاستنزاف المالي.

ذات صلة

التجربة وسلوك الخبراءانتخابات برلمان اقليم كردستان.. قراءة في النظام الانتخابي والنتائج المتوقعةفي المسألة التعليميَّةلماذا ترفض إسرائيل زيارة منسّق السياسة الخارجية الاوروبية؟العراق ومستقبل الوجود العسكري الأميركي