المشاهير.. انتصار الصورة على الجوهر
حيدر الجراح
2015-10-30 10:40
تستعمل كلمة المشاهير (celebrity) اليوم لتصف نوعا معينا من الشخصيات الثقافية. وهم غالبا من يبرزون في أنواع الرياضات المختلفة او الصناعات الترفيهية. ويظهرون من خلال وسائل الاعلام، وتجتذب حيواتهم الخاصة اهتماما عاما اكثر من حيواتهم العامة.
ولا تعتمد شهرة المشاهير بالضرورة على الموقع او الإنجاز الذي منحهم هذا البروز في المحل الأول، بل من المرجح ان تنهض شهرتهم على دعاوى البروز التي تطورت في اطار ذلك الموقع الاولي. والحقيقة ان الشخص المشهور الحديث ربما لا يزعم أي انجاز خاص سوى اجتذاب الانتباه العام، فهم مشهورون لكونهم مشهورين. وبالنتيجة، يثير المشاهير مستوى من الاهتمام العام يعتبره بعضهم غير متكافئ. وفي حين ان هذا الافراط قد يكون عنصرا جوهريا في اغراء الشخص المشهور، فانه يفسر السبب الذي غالبا ما يعد فيه خلاصة لعدم موثوقية الثقافة الشعبية التي تنقلها وسائل الاعلام.
كان معنى كلمة المشاهير الأول في اللغة الإنكليزية (الاحتفاء – النجم – الحفل) في القرن السابع يشير الى (المراعاة الواجبة للطقوس والاحتفالات) ويقترب استعمال القرن التاسع عشر من معناه الحالي، اذ يشير الى شخص (يجري الحديث عنه كثيرا). وأكدت الايحاءات التي اكتسبتها الكلمة في القرن العشرين على البروز الثقافي المفرط للشخص المشهور والانفصام التدريجي لهذا البروز عن معنى الشرعية. فحيث كانت كلمة (حفل) تشير الى عملية رزينة من الاحتفاء الطقسي الذي كانت شرعيته لا غبار عليها نسبيا، فقد صارت تشير الان الى التمثيل الشرعي لشخصية ثقافية شهرتها واضحة لكن الغبار يتجمع حول شرعيتها.
والشخص المشهور هو بمعنى من المعاني نمط من التمثيل. فهو في ذاته نتاج صعود وسائل الاعلام، وبخاصة الاعلام الالكتروني. فحين تطورت الصحف وتم ادماج التصوير الفوتوغرافي مع نقل الاخبار في أواخر القرن التاسع عشر وبواكير القرن العشرين حصلت ظاهرة المشاهير. ومع تطور السينما وصناعة انتاج نجوم الأفلام التي تبعها التلفاز والشخصية التلفازية، أصبحت الصناعة الإعلامية تعتمد باستمرار على تسويق هؤلاء الافراد كوسيلة لجذب الجمهور لمنتوجاتها.
ومؤخرا، مع تركز امتلاك الاعلام، وتنويع مصالح العمل الإعلامي، وكذلك تطور تقنيات الاعلام الجديدة المتقاربة، صار المشاهير موضوعا تجاريا كالسلع عبر محطات الاعلام والأسواق العالمية.
لم يكن يوصف شخصيات هذه العملية بانهم مشاهير دائما، بل كان يشار اليهم طوال القرن العشرين في الأرجح بانهم نجوم (stars). غير ان هذا المصطلح زال من الوجود الى حد ما بفعل ازدياد الشهرة في الثمانينيات والتسعينات. قبل هذا، كان نجوم السينما ونجوم الرياضة يحتلون الموضوعات الأولى في الاهتمام الإعلامي العام. غير ان هناك فروقا مهمة بين النجوم والمشاهير. كان الممثل السينمائي او الرياضي يصبح نجما من خلال سلسلة من الإنجازات، تزيد في بناء الروابط المتبادلة مع جماهيرهم عبر الاداءات المتكررة. فكان بروزهم يرتبط ارتباطا وثيقا بعملهم.
فضلا عن هذا، وكما رأى ريتشارد داير فان النجوم ربما يعملون كعلامات، أي كحاملين للأساطير والمعاني الاجتماعية. كان نجوم معينون يعكسون تعريفات مهيمنة لـ (نمط الفرد) في مجتمعهم، وهكذا تأسست اهميتهم اجتماعيا. فان لشهرة النجم ما يقابلها من قيمة: فهم يستحقون هذا الاحتفاء، وهم (يتحدثون عن) المجتمع، بل انهم يؤدون وظائف ثقافية مهمة.
ينطوي الانتقال من النجوم الى المشاهير على ابراز الكثير من تلك الأهمية. فحيث كان النجوم يطورون معانيهم عبر الزمن، يندفع المشاهير الى البروز، وربما اختفوا بالسرعة نفسها. كذلك يعد الجمهور المشاهير اكثر غموضا: والمرجح ان يعزى نجاحهم الى مؤاتاة الحظ بقدر ما يعزى الى القدرة، وقد يكونون موضوعا للسخرية بقدر ما يكونون موضوعا للرغبة. وبالنتيجة، فحيث كان يمتلك النجوم بعض المشروعية التي تتيح الزعم بأنهم يؤدون وظيفة اجتماعية، فقد ثبت ان من الصعب اطلاق مثل هذه المزاعم بحق المشاهير الذين يبدون محددين بطريقة بنائهم.
مع ذلك يمكن لهذا التمييز ان يكون مشروطا. لاشك في ان تقلب الشهرة شغل الشرّاح طوال القرن العشرين. وقد رأى بورستن الحضور الإعلامي لنجوم السينما والشخصيات التلفزيونية كأمارة على زيف الثقافة الشعبية المعاصرة وأنواع اللغو التي يبدو انها تقدمها. ويزداد هذا النقد حدة مع نهاية القرن العشرين: اذ بدأت أنواع جديدة من المشاهير تظهر مع شروع صناعتي التلفاز والموسيقى في تصنيع نجومهما، حقيقة، من العدم.
تتمتع الشهرة الان بظهور غير مسبوق. ولم تعد وسائل الاعلام الالكترونية وحدها تقدم مجموعة بالغة الاتساع من الفرص، بل ان سوق المجلات الجماهيرية، لاسيما مجلات النساء، اعادت ابتكار نفسها بوصفها الموقع الأبرز لرواج اخبار المشاهير، وهذه حقيقة اتجاه من جنس جديد (أكثر منه اهتماما خاصا) بمحتوى اعلامي.
لقد اثار الذيوع الإعلامي الجديد للمشاهير الأسئلة حول وظيفته الثقافية. ومن بين استفزازات هذه الأسئلة جاءت الاستجابة الشعبية الدولية لموت ديانا، اميرة ويلز، عام 1997.
رأى بعضهم في هذه الاستجابة دليلا على ان الرأي الشعبي يمكن لوسائل الاعلام ان تتلاعب به لإظهار سلوك غير عقلي بالمرة. بينما ارتأى اخرون اننا نستطيع حقا ان نطور علاقاتنا بالناس الذين نعرفهم من خلال الاعلام فقط بطرق مشابهة لعلاقاتنا بأصدقائنا ومعارفنا الواقعيين.
ويظل مفهوم المشاهير مفهوما غامضا تماما، وغالبا ما يعامل استخدامه بشك كبير. وقد يتغلب الافراد المشاهير على هذا بإقناع جمهورهم العام بأصالتهم ومشروعيتهم، غير ان المفهوم نفسه يظل ينظر اليه الكثيرون باعتباره يمثل انتصار الصورة على الجوهر، والتمثيل على الواقع.