المحور الذي يُريده أوردغان ضدّ اسرائيل: هل سيكون وكيف؟
د. جواد الهنداوي
2024-09-18 04:29
خطاب الرئيس اوردغان بتاريخ 2024/9/7، خلال مؤتمر طلاب مدارس الائمة و الخطباء بولاية بوجا إيلي، شمال غرب تركيا، يشكلُ حقاً تحّولا مهما في موقف تركيا في التعاطي مع إسرائيل، والتعاطي مع مَنْ يدعم إسرائيل، واقصد امريكا والغرب .
الخطاب، وحده، وما تضمّنه من تصريحات، وقبل أن يتبلور إلى مشروع عمل، أعتبرهُ، حقيقةً، تحّولا تاريخيا في أسلوب التعاطي مع إسرائيل .
وقبلَ التحليل و ابداء الرأي و الاجابة على الاستفهام في العنوان، انقلُ ادناه اهمَ ما وردَ في الخطاب :
-الوقوف ضدَ ارهاب اسرائيل واجب اسلامي و إيماني بالنسبة لنا، كما انه قضيّة وطنية .
-الأراضي الفلسطينية تتعرض للاحتلال شبراً شبراً، من قبل الصهاينة، منذ انسحاب الدولة العثمانية من هناك عام 1918 .
– اسرائيل الآن ترتكب ابادة جماعية في الضفة الغربية، بعد قطاع غزّة في محاولة منها لاحتلال تلك المناطق .
⁃ اسرائيل قتلت منذ 7 اوكتوبر ولحد الآن اكثر من 40 الف مدني بريء، بينهم 17 الف طفل، حيث سفكت دماءهم بشكل همجي، من دون تمييز بين طفل و امرأة وشاب و مسن .
ما يحدث في غزة ليس حرباً بين اسرائيل و فلسطين، بل صراع بين الصهيونية التوسعية والمسلمين الذين يدافعون عن بلادهم .
- إسرائيل لن تتوقف في غزّة، بل ستحتل رام الله إذا استمرت بهذا الشكل، وستضع مناطق اخرى نصب عينيها إلى ان ي يأتي الدور إلى دول اخرى في المنطقة مثل لبنان و سورية.
– سيطمعون في اراضي وطننا بين نهري دجلة و الفرات، ويعلنون صراحة من خلال الخرائط انهم لن يكتفوا في غزّة .
– هذا ما يدفعني للقول ان حماس تقاوم باسم المسلمين، وتدافع ليس فقط عن غزة وانما عن بلاد المسلمين وعن تركيا ايضاً .
– الخطوات التي سوف نتخذها في علاقاتنا مع مصر وسورية تهدف لتأسيس محور تضامن ضد التهديد التوسعي المتزايد .
- الخطوة الوحيدة التي توقف الغطرسة و البلطجة وارهاب الدولة الاسرائيلي هي تحالف الدول الإسلامية .( المصدر قناة روسيا اليوم وبعض مواقع التواصل الاجتماعي المهتمة والتي نقلت الخطاب من وكالة الأناضول ) .
لم يترك الرئيس اوردغان سوءاً الاّ ووصف به إسرائيل : وصفها بالارهاب، وبارتكاب جرائم الابادة، وبالصهيونية التوسعّية و الغطرسة والبلطجة الخ …
ربما اراد ان يكون خطابه و ماورد فيه من تصريحات رداً على تصريح وزير خارجية اسرائيل، قبل شهر، والذي هدّدَ فيه اوردغان، وتوقّع له مصير صدام حسين .
جاء الخطاب بيوم واحد او يومين بعد توديعه للرئيس السيسي، و اعرب في الخطاب عن عزمه تاسيس محور تضامن مع مصر وسورية ضدَ التهديد التوسعي الإسرائيلي، الامر الذي يدلُ على ان موضوع اسرائيل وحربها في غزّة أخذَ حيّزاً كبيرا من وقت اللقاء بينه وبين الرئيس السيسي، ويدلُ أيضاً على أدراك الدول ( مصر وتركيا وغيرهما ) والتي تربطها علاقات مع إسرائيل، على خطورة الأفكار والسلوكيات المتطرفة والتوسعية والصهيونية التي تسود العقل السياسي في إسرائيل، ويدّلُ كذلك على انَّ مصر قادمة على تبني سياسة جديدة تجاه إسرائيل، قوامها تقليص العلاقات الدبلوماسية، وربما تقديم شكوى لمجلس الامن للمطالبة بانسحاب الجيش الاسرائيلي من محور فلاديليفيا.
تصريحات الرئيس اوردغان تعبّر عن لسان حال دول المنطقة، و خاصة تلك التي ارتبطت مع إسرائيل بعلاقات سياسية ودبلوماسية واقتصادية، دول ادركت، الآن، بأن إسرائيل لا تعترف و لا تحترم لا علاقات الجوار و لا الاتفاقيات الثنائية الموقّعة بينها وبين مصر مثلاً، بينها وبين الأردن .
اصبحت العلاقات مع إسرائيل مصدر ازعاج و احراج، ومشاكل وليس حلولا . والسؤال الذي يستحق الطرح و الاجابة هو :
هل سيقدم الرئيس اوردغان على طرد السفير الإسرائيلي، وانهاء العلاقات الدبلوماسية او تقليصها؟
لا اعتقد .. العلاقات التركية الاسرائيلية ليست وليدة الامس، فهي منذ عام 1949، و تركيا أول دولة إسلامية اعترفت بإسرائيل، و تأخذ تركيا بنظر الاعتبار البعد الدولي والأمريكي لعلاقاتها مع إسرائيل، ومصالحها الاقتصادية الكبيرة تقتضي الاحتفاظ بعلاقاتها مع إسرائيل . ولكن هذا لا يمنع تركيا من اتخاذ موقف حازم وجاد تجاه إسرائيل، ولا يحول دون ان تبادر تركيا في خلق حلف تضامن و تعاون بينها وبين دول المنطقة ضّدَ الأطماع التوسعيّة لإسرائيل . هدف هذا الحلف او المحور التضامني هو ليس محاربة اسرائيل، وانما ممارسة ضغوط سياسية ودبلوماسية على الكيان المحتل .
في خطاب الرئيس اوردغان رسالة واضحة إلى سوريّة، التي يستعجل اوردغان المصالحة معها واللقاء بالرئيس بشار الاسد . رسالة اطمئنان وتأكيد على ان تركيا اليوم هي ليست تركيا الأمس، و امام سوريّة و مصر و تركيا وكافة دول المنطقة خصم او عدو يترّبص بحدودها وثرواتها، ويمارس الإرهاب والابادة الجماعية وله اطماع توسعيّة .
لماذا لم يذكر الرئيس اوردغان، لا حزب الله و لا أيران،بيد ان حزب الله، حاله حال حماس يدافع هو ايضاً عن بلاد المسلمين، وايران تمد حماس والمقاومة في لبنان وغزّة بالمال و السلاح ؟
لم يذكرهما إدراكاً منه لتقدمها بمسافات طويلة عن تركيا وعن مصر في عدائهما لإسرائيل واطماعها التوسعيّة، والمحور الذي يريده الرئيس اوردغان هو محور تضامن ضد الأطماع التوسعية لإسرائيل، ذات بُعد سياسي و دبلوماسي وليس عسكريا .
لم يذكرهما، كي لا يثير مخاوف و ردود فعل أمريكية واوروبية من توجّه تركي نحو حلف، ضدَ اسرائيل، ويضمُ ايران . ربما اراد الرئيس اوردغان ان يبدأ مع اسرائيل، مرحلة بعد مرحلة .
ما هو مهم، و مهم جداً في خطاب الرئيس اوردوغان هو اعترافه ضمناً بأن اسرائيل عدو مشترك لدول المنطقة لا بل، عدو مشترك ضد بلاد المسلمين .