مآلات الحرب بعد غزة
ابراهيم العبادي
2024-08-12 06:27
فيما يترقب العالم الرد الايراني على الكيان الصهيوني بعد اغتيال زعيم حماس في طهران، تتزاحم الاسئلة والتكهنات والاحتمالات عن مستقبل المنطقة، فيما لو تأجل الرد الايراني كثيرا واستمرت حرب الاعصاب والتوقعات والسيناريوهات على أشدها، مع تضاعف الاستعدادات الامريكية والاسرائيلية وضياع فرصة المفاجآت والمباغتة وتصاعد الأحاديث عن ظهور (بدائل) سياسية للضربة الايرانية!.
ايران التي ألزمت نفسها بالثأر لمقتل ضيفها على أراضيها والانتقام لـ(شرف) سيادتها المهدورة، أخذت وقتا طويلا للأعداد لردها العسكري، وفكرت كثيرا بارتدادات هذه الضربة وفوائدها وخسائرها ونتائجها محليا وإقليميا ودوليا.
كان من نتائج هذا التريث الطويل، إن ايران لم تقم بخطوة (متهورة) تعود على استراتيجتها بخسائر كبيرة يصعب تعويضها، متجنبة الانفعال النفسي والمشاعر الغاضبة، مفضلة الحرج السياسي والإعلامي على القيام بخطوة غير محسوبة بدقة، قد تعود عليها بخسارات أكبر وجروح أعمق في صورة إيران ومكانتها.
لم تكن المشكلة في الرد، إنما في حجم هذه الرد وما يحركه من ردود افعال ونتائج، أنه الصراع بين التكتيكي والاستراتيجي في العقل الايراني، لقد جرب الايرانيون الرد على قصف قنصليتهم في دمشق ومقتل قادتهم العسكريين، يوم 13 نيسان، وقتها أثبت الإيرانيون لأنفسهم وللآخرين أنهم قادرون على توجيه صواريخهم ومسيراتهم إلى عمق الدولة العبرية، وقد استوعب المسؤولون الصهاينة هذه الضربة وأعادوا الضربة بضربة في أصفهان، قيل يومها كانت النتيجة التعادل وإن إيران لا ترغب بالتصعيد ولا بتشتيت الأنظار عما يجري في غزة، لكن حكومة اليميني المتطرف نتنياهو، لم تكتف باستفزاز إيران وحلفائها وزادت من جرعات التحدي بضرب ميناء الحديدة، اليمني ردا على قصف تل ابيب بمسيرة حوثية، واغتالت في يوم واحد قائد حزب الله العسكري فؤاد علي شكر في بيروت وقائد حماس السياسي اسماعيل هنية في طهران. كما هاجمت الولايات المتحدة ناحية جرف الصخر جنوبي بغداد وقتلت خبيرا يمنيا رفقة عراقيين، كانوا يضعون لمساتهم الأخيرة لتوجيه مسيرات انقضاضية.
بالعودة إلى منطق الحرب السجالية، فإن حكومة نتنياهو صارت تعتقد أكثر من ذي قبل باختبار قدرات محور المقاومة واستنزافه ودفع إيران إلى التورط في الحرب لتوجيه الضربة المخططة لبرنامجها النووي، وزير الخارجية الأمريكي بلينكن زاد الطين بلة، عندما أعلن أن ايران صارت على بعد أسبوع لتصنيع سلاحها النووي، لترتسم الصورة في أبعاد أكبر من ذي قبل، وعلى النحو التالي: ايران الخائفة على أمنها القومي ومساحة نفوذها الإقليمي، صارت تحسب التكاليف الأكبر لهذا الدور، وتسعى للموازنة بين مشروعها الإقليمي واستقرارها الداخلي، حلفاء إيران الآخرون، وكلهم فاعلون دون مستوى امكانات الدول، يواجهون تحديات كبرى بانخراطهم في الحرب ومناصرة غزة ومساندتها، ولكن بغطاء مكشوف ومساحة فعل محدودة.
في قبال ذلك تأكد أن هذه الحرب الجارية، هي الفرصة الأثمن لحكومة اليمين الصهيونية، لتقوم بمهمة ترسيم الابعاد الجديدة للمنطقة، وفق معادلات نتائج الحرب، التي كسبتها عسكريا وتسعى لترسيخها استراتيجيا، شعار حكومة نتنياهو الآن هو سعر الحرب، ووسع نطاقاتها واضرب في كل الاتجاهات، لتظفر بالهيمنة والنفوذ والسلام القائم على منطق القوة، وليس منطق العدل.
استراتيجية محور المقاومة بما فيها حماس والجهاد الإسلامي صارت تركز على وقف حرب الابادة والتدمير والاغتيالات، التي تقوم بها اسرائيل، فيما استراتيجية المحور المضاد تقوم على استثمار الحرب الراهنة، لكشف جميع أوراق محور المقاومة وضربها عسكريا، واضعاف بنيتها التنظيمية والاجتماعية، وتقويض مواردها وامكاناتها إلى الحد الأدنى.
عند هذه النقطة بالذات بدأ محور المقاومة يدرك أن أعداءه يريدون له الانتحار في مواجهة غير متكافئة، وأن هذه الحرب الطويلة تحتاج إدارة جديدة هادئة الأعصاب، بعيدة عن الانفعال وردود الأفعال الاستفزازية، هذه الحرب ستغير معادلات المنطقة سياسيا عندما تضع أوزارها، وقرار إيقافها بيد نتنياهو، الذي يراهن على مراكمة مكاسبها العسكرية ليظفر بنتائجها الاستراتيجية.
نتنياهو الذي بدأت شعبيته تعود إلى مستوياتها، قبل الحرب يريد تثبيت معادلة ردع مهابة في المنطقة، ويريد رفع الكلفة على محور المقاومة إلى الحد، الذي يمتنع فيه هذا المحور عن أي فعل مستقبلي، لأن الخسارة ستكون أكبر من الربح، وهكذا صارت حماس والجهاد الاسلامي تسعيان إلى وقف المذبحة في غزة، وصار حزب الله يرهن وقف معركته بإيقاف المذبحة أيضا، ويريد انصار الله في اليمن وفصائل العراق وجمهورية إيران الاسلامية وقف الحرب دون شروط، لكن اليمين الصهيوني هو الذي يريد استمرار الحرب، لأن شعاره تدمير أعداء إسرائيل أو أضعافهم وجعلهم يفكرون بمستقبل وجودهم قبل التفكير بازالة اسرائيل من الوجود.
هذا التخطيط يسعى إلى إثارة جدال فكري وسياسي داخل أوساط محور المقاومة للتفكير جديا بين السعي وراء النبوءات الدينية أو القراءة الذكية للإمكانات المادية والمشاريع السياسية، التي تبقيه فاعلا وحيا ومشاركا في صنع مستقبل المنطقة.