التهديد الثقافي الغربي لمنظومتنا الثقافية

علي حسين عبيد

2024-08-07 04:28

لا أعرف بالضبط من القائل بأن أساس الحروب ليست الأسلحة، ولا القادة المغامرون، وإنما الثقافات المختلفة بين الأمم هي التي تزرع هذا النوع من الصراعات بين الشعوب والجماعات المختلفة، وبهذا يكون جذر الصراع المسلح بين جماعة وأخرى، أو بين دولة وأخرى، ليس سياسيا في الغالب، ولا اقتصاديا أيضا ولا حتى دينيا، بل ثقافيا.

واستنادا إلى ما قيل في أعلاه، فإن التقارب التشابه الثقافي يبعد الصراعات المسلحة ويخفف منها، ولكن قد يكون هناك نوع من الانصياع الثقافي للآخر في هذه الحالة، بمعنى حتى تتجنب الدخول في صراع مع دولة أو أمة أخرى، تحاول أن تتقارب معها ثقافيا وتتشابه معها قدر الإمكان حتى تتحاشى الصدام معها!

ولكن إلى أي مدى يصح هذا القول، وهل علينا الانصياع للفكر الغربي حتى لا نصطدم معه، وهل علينا تهيئة ثقافتنا بما يجعلنا مسايرين للثقافة الغربية حتى نضمن عدم التصادم معها؟

الثقافات تتوحد في بعض القيم

هذا الموضوع معقد وحساس بحيث يحتاج إلى بحث عميق ومطوَّل ينطوي على الدقة والجوهرية، ولكن هنا في هذا العمود المختصَر، نقول إننا لسنا مجبرين على التقارب أو التشابه مع الثقافة الغربية، فلكل ثقافة ثوابتها وقيمها، ولعل الكثير من الثقافات تتوحد في بعض القيم الإنسانية وتتفق عليها، فلا ينبغي أن نعيش حالة من التقارب القسري مع الثقافات الأخرى، ولا يجب علينا أيضا أن نعلن التصادم معها أو الافتراق عنها.  

ومع ذلك هناك من يحذرنا بشكل دائم من حالات التهديد التي تتعرض لها ثقافتنا، من جانب الثقافات الغربية على نحو الخصوص، وهي دعوات ليست وليدة الحاضر، بل لها جذور قد تمتد إلى عقود مضت بل وربما قرون، لكن السؤال الذي يجب الإجابة عنه، هل فعلا تمثل الثقافة الغربية تهديدا لوجودنا أو لفكرنا أو لثقافتنا؟

الإجابة ليست سهلة، تحتاج إلى متخصص بالفكر والثقافة العربية والإسلامية، ومع ذلك نستطيع أن نجيب من باب حرية الرأي، أو من باب الاعتقاد الشخصي، بأن الثقافة الغربية فيها أكثر من أبواب ومن منتجات ومخرجات، ومثلما يوجد فيها الغثّ فهناك الجيد أيضا، وهذا ما تثبته الأفكار الخلاقة لمفكرين وأدباء غربيين قدماء ومحدثين ومنهم على سبيل المثال روجيه غارودي شكسبير وتشيخون وغيرهم.

وهذا يعني أن الاختيار متروك لنا، وأن قضية التأثر بهذه الثقافة أو تلك متروك لنا، فالأفكار في عصرنا اليوم لا يمكن منعها أو محاصرتاها في الرفوف المغلقة أو بين دفات الكتب المغيبة والممنوعة، بل صار العالم الأرحب يغص بها، ويقدمها على طبق من بساطة وسهولة لكل من يرغب بها.

حماية العقول من الأفكار المتطرفة

قضية الحذر الثقافي لم تعد تخص الحكومات ولا الدول، ولا حتى المؤسسات الفكرية (التحذيرية) أو حتى الدينية، نعم يمكن توعية الناس وتحذيرهم من الأفكار المتطرفة والخطيرة، ولكن قضية الأخذ بها أو رفضها باتت قضية فردية أي تدخل في إطار الحرية الشخصية، فما أرفضه أنا من أفكار قد لا يرفضه شخص آخر، وبالعكس، وهكذا أصبحنا في محنة الوعي وبين مطرقة الاختيار الصائب وسندان التطور العالمي المتسارع.

فهناك من يقول لك يجب أن تتعامل مع الأفكار كلها، ولا تهمل الجديد منها، حتى لا يفوتك قطار التقدم المتسارع، وهناك على العكس يحذرك من التهور والتسرع في اختيار أفكارك لأنها قد تدمر حياتك، وتهيمن على عقليتك وتصرفاتك وتفكيرك وتصيبك بمشكلات فكرية وفلسفية لا حصر لها، لا يستجيب لها الواقع الذي نعيش فيه.

الأمر في غاية التعقيد كما يبدو، فلا نستطيع أن نعزل أنفسنا عن العالم الغربي، لأن حضارة التواصل والخدمات المختلفة تكمن تحت الهيمنة الغربية كما هو الحال مع شركات الإنترنيت ومواقع التواصل أو خدمات النقل والاتصالات والصناعات الأخرى، وهذا يتطلب منا أن لا نعزل عقولنا ورؤوسنا عن العالم، وهو يتطلب منا معالجة هذه القضية بتوازن وذكاء.

من الأفضل أن لا ننهزم أمام أية ثقافة أخرى، بل علينا التعاطي معها على أن نكون محصنين بثقافتنا وأفكارنا الأصيلة، وخصوصا ما يتعلق بالقضايا الإنسانية والابتعاد عن الكراهية، ونبذ التطرف بكل أشكاله، وهي قيم ثابتة في ثقافتنا، وما عدى ذلك أهلا بالأفكار الجيدة المقبولة، غربية أو شرقية، المهم أن يكون مسارها إنساني بالدرجة الأولى، وأن لا تحث العقول على الصراع الحضاري السلبي. 

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي