التخطيط من اجل التسقيط
مصطفى ملا هذال
2024-08-07 04:24
منذ عقدين يخرج علينا المسؤولين في الحكومة عبر لقاءات متلفزة يشرحون آليات عمل الحكومات المتعاقبة في التعامل مع جملة من الملفات الحساسة والحيوية التي تهم المواطنين بجميع شرائحهم، وبعد مرور هذا الوقت لم يتضح سوى ان التخطيط لم يكن لغير التسقيط بالآخر ونسف الإنجاز المتحقق.
يتبجح المسؤولون بعد تسنمهم المناصب بعزمهم على محاربة الفساد الإداري والمالي الذي نخر جسد الدولة ومؤسساتها، اذ تشم عامة الجماهير دخان نيران المواجهات التسقيطية بين زعماء الكتل السياسية، تفتح ملفات وتغلق أخرى، تلطخ شخصية بالاتهامات وتبرأ أخرى.
توجيه التهم لا يتم وفق أكثر الملفات حساسية او شمولا، بل يتم وفق المحركات السياسية التي تحرك هذا الملف وتترك غيره او تؤجله الى وقت مناسب تستخدمه الكتل او الشخصيات السياسية الى التصفية التي تصل في بعض الأحيان الى التصفية الجسدية التي تقف في حالات كثيرة عائقا امام كشف بعض الملفات.
وبعيدا عن موضوعة التصفية، فأن كل مسؤول يأتي الى المنصب حديثا يبين ان جميع الخطط السابقة او البرامج المتبعة في الوزارة سيتم الغاء جزء كبير منها واستبدالها بطرق او خطط أكثر فائدة وخدمة للمواطنين بحسب المسؤول الجديد، وكما في كل مرة توجد شريحة واسعة مؤمنة ومصدقة بما يقوله هذا المسؤول.
تمضي الأيام وتتعاقب الشهور، ولم نلحظ أي تغيير ملموس في عمل وزارة او دائرة ما، ويتضح بشكل جلي ان الخطط الموضوعة او المصرح بها، كانت عبارة عن تسقيط غير مباشر للمسؤولين السابقين، وهو الغرض الأساس من اطلاقها في حينها، وهكذا يمكن ان نطبق الامر على بقية مجريات الاحداث في جميع مفاصل الدولة.
ومما يؤسف له ان إدارة جميع مفاصل الدولة تجري بعيدا عن القيم الأخلاقية وشرف الخصومة، ونأخذ على سبيل المثال تعطل او تأخر العديد من المشروعات الخدمية المهمة بالنسبة للمواطنين، ليس لسبب سوى ان المسؤول الأعلى يريد ان يسقط مسؤول الوحدة الإدارية ويستبدله بآخر تابع لحزبه او خاضع لسلطته.
ففي بعض الوحدات الإدارية التابعة للمحافظة يتأخر تنفيذ المشروع بدواعي ظاهرية وهي انتظار التخطيط النموذجي الذي يخدم المدينة، وتجاوز الإشكاليات التي أخرت عملية الاعمار فيها، لكن المصادر الخاصة تشي بغير ذلك، وتقول ان لكك تأخير هدف مقصود، وغرض منشود، وان لم يكن عن قصد ما يجري.
فبماذا تفسر تأخر توسعة طريق تحتاج الى أيام لإكمالها، بينما العمل جاري فيها لأكثر من أربعة شهور دون تحقيق أي تقدم يسر الأهالي ويمتص غضبهم ويرفع الشكوك من نفوسهم.
والغريب في الامر ان الجهات الرقابية في المدينة او المركزية، غير مكترثة وكأنها تعيش بحالة تنويم مغناطيسي او سبات عميق، متغاضية عن هدر المال العام الذي يدفن بمشروعات صغيرة وبكلف خيالية، وان وجد من يضع النقاط على الحروف من سلطة رقابية برلمانية تبقى جهود ضيقة لا تؤدي غرضها الرئيس.
وان تحركت جهات أخرى لتشخيص الخلل في الأداء الحكومي، رُميت بشتى التهم التي تسعى للنيل من أصحاب الحق في الدفاع عن حقوق المواطنين المغيبة جراء التخطيط غير الممنهج والتعامل الفوضوي مع الكثير من الزوايا العمرانية، ونأخذ مثال آخر على عملية اعمار احدى المدن التي يزعم مسؤوليها بأنها تحولت الى قصة نجاح حقيقية.
ومن مظاهر الفوضى المنتشرة في تلك المدينة وسوء التخطيط الذي يرمى من يخوض مضمار الحديث عنه بتهم بالتسقيط، هو إعادة تأهيل الأرصفة وتجديد صبغها ومقرنصها، وبعد أشهر من هذه العملية نرى الآلات تعمل على إزالة الرصيف الذي صرفت عليه مليارات الدنانير، وانشغل الرأي العام بعملية الاعمار الحاصلة في تلك المدينة.
فأين التخطيط وهل وظف لغير التسقيط؟