المحاكم العليا والقرار المعدوم
احمد طلال عبد الحميد البدري
2024-06-29 04:50
سبق وان اقام المدعي دعواه امام محكمة قضاء الموظفين طالباً الغاء عقد البعثة الدراسية وقد رد طعنه بموجب القرار بالعدد (370/م/2016) في في 10/6/2018 وقد تم تصديق القرار من المحكمة الادارية العليا بموجب قرارها بالعدد (1501/قضاء موظفين / تمييز/2018) في 23/3/2021، هذا وكانت محكمة التمييز الاتحادية/ هيئة تعيين المرجع قد اصدرت قراراً قبل تصديق الحكم تمييزاً من المحكمة الادارية العليا بالعدد (1/ تعيين مرجع/2020/1) في 14/1/2020 يقض بان محكمة قضاء الموظفين والمحكمة الادارية العليا غير مختصتين نوعياً في نظر النزاع المتعلق بعقد البعثه الدراسية.
حيث جاء في حيثيات القرار المذكور بان اختصاصات محكمة قضاء الموظفين (… ليس من ضمنها الفصل في المنازعات الناشئة عن تنفيذ العقد او الاخلال في تنفيذه او اي منازعة تتعلق بعلاقه عقدية بين طرفين احدهما الدولة المتمثلة بالوزارات او الهيئات او ما شابه ذلك…) وبينت محكمة التمييز الاتحادية ان المحكمة المختصة وظيفياً في نظر الدعوى هي محكمة بداءة الرمادي واحالة الدعوى اليها لغرض حسمها مع اشعار محكمة قضاء الموظفين بذلك، ووفقاً للمادة (7/ ثاني عشر) من قانون مجلس الدولة رقم (65) لسنة 1979 المعدل فان قرار هيئة تعيين المرجع بات وملزم وهذا من شأنه ان يجعل قراري محكمة قضاء الموظفين والمحكمة الادارية العليا معدومين لصدورهما خلافاً لقواعد الاختصاص النوعي الذي هو من النظام العام.
والحكم المعدوم او المنعدم هو الحكم الذي يفقد ركناً من اركان وجوده ويترتب على انعدام الحكم جعله غير صالح لاداء وظيفته ولايتعدى ان يكون عملاً مادياً لاقيمه له ويتعين اهدار حجيته وازالته من الوجود كونه لايحوز حجية الامر المقضي به، وقد استقر قضاء محكمة التمييز الاتحادية بان الحكم الصادر خلافاً لقواعد الاختصاص الوظيفي يعد بحكم المعدوم لصدوره من هيئة قضائية غير مختصه باصداره ومنها قرارها (48/هيئة عامة /2016) في 30/10/2016، وعلى اثر ذلك اقام المدعي دعوى بطلان اصلية امام محكمة قضاء الموظفين يطلب فيها بطلان قرارها المؤرخ في 10/6/2018 واحالة الدعوى الى محكمة بداءة الرمادي استناداً للمادة (160/3) من قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 المعدل التي تنص على ان (الحكم الذي يصدر من المحكمة يبقى مرعياً ومعتبراً مالم يبطل او يعدل من المحكمة نفسها او يفسخ او ينقض من محكمة اعلى منها وفق الطرق القانونية)، ولكون المادة (168) مرافعات التي نظمت طرق الطعن القانونية ليس من بينها جواز الحكم ببطلان القرار المعدوم وهذا يتعارض مع العدالة وقد ردت دعوى البطلان المقامة من قبله امام محكمة قضاء الموظفين، مما دفعه لاقامة دعواه امام المحكمة الاتحادية العليا مدعياً وجود فراغاً او قصوراً تشريعياً في قانون المرافعات المدنية طالباً توجيه السلطه التشريعية باصدار التشريع المناسب لمعالجة حالات ابطال القرارات المعدومه الصادرة عن المحاكم المختصة، وقد اصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها المرقم (161/اتحادية/2021) في 21/2/ 2022 برد الدعوى المذكورة، ولنا على هذه الوقائع وقرار المحكمة الاتحادية العليا الملاحظات الاتية :
في البداية لابد ان نشير الى ان قرار هيئة تعيين المرجع لم يصدر بمناسبة الدعوى المقامة من قبل المدعي امام محكمة قضاء الموظفين وان كان يتعلق بنفس الموضوع وكان على محكمة قضاء الموظفين والمحكمة الادارية العليا ان تلاحظ هذا الحكم وان تاخذه بعين الاعتبار كونه يمثل سابقه قضائية تتعلق بالاختصاص النوعي وكان عليها ان صدر حكماً بعدم الاختصاص مع احالة الدعوى الى المحكمة المختصة نوعياً للنظر فيها بدلاً من الدخول باساس الدعوى وردها .
حكم قضائي
ان المدعي خلط في دعواه المقامة امامة امام المحكمة الاتحادية العليا بين مفهوم الحكم الباطل ومفهوم الحكم المعدوم، فالحكم القضائي الباطل يكون كذلك اذا ما شابه عيباً شكلياً سابقاً لصدوره كعيب في التسبيب او صدوره ضد شخص متوفي او عدم صلاحية القاضي الذي اصدره او بطلان عريضه الدعوى، ولم تتناول القوانين الاجرائية ولا الفقهاء تنظيم البطلان لاسباب موضوعية وهي عادة ما تتعلق بالارادة واركان التصرف القانوني وشروط صحته …الخ ونحن نميل الى تحديد حالات البطلان الاجرائي بصريح نص القانون اذا ما تعلق بشكل جوهري او بشكل يتعلق بالنظام العام كما فعل المشرع الفرنسي في المادة (114/2) من قانون المرافعات لسنة 1975، والبطلان يخضع للتصحيح اما باستيفاء الشكل او التحول او بزوال عيب الاجراء القضائي المعيب، ..الخ.
اما الحكم المنعدم فهو الحكم الذي فقد اركان وجود الحكم بالرغم من استيفاءه شكل الحكم فهو مجرد اعمال مادية لاترتب اثاراً اقانونية ولم يعرف قانون المرافعات المدنية العراقي الحكم المنعدم ولم يحدد حالات انعدام الحكم مما تسبب خلطاً بين مفهومي الابطال والانعدام في التطبيق العملي، في حين نجد ان على سبيل المثال لا الحصر ان قانون المرافعات والتنفيذ اليمني رقم (40) لسنة 2000 نص في المادة (55) منه على حاله انعدام الاحكام حيث نص على ان (الانعدام وصف قانوني يلحق العمل القضائي ويجعله مجرداً من جميع اثاره الشرعية والقانونية ولايحكم به الا في الاحوال المنصوص عليها في القانون)، ووفقاً للنص المذكور ان حالة الانعدام محددة بنص القانون و تحتاج لحكم كاشف لها، باعتبار ان الانعدام هو ضد الوجود لغة، لذا نرى ان تنظيم حالات الانعدام في القانون الاجرائي ضرورة لمنع الاجتهادات والخلط بين مفهومي البطلان والانعدام .
ذهبت المحكمة الاتحادية العليا بموجب قرارها اعلاه الى ان قرار محكمة القضاء الاداري منعدم لصدوره خلافاً لقواعد الاختصاص النوعي حيث جاء في حيثيات قرارها ( … وترى هذه المحكمة ان ما يدعيه المدعي من انعدام القرار الصادر من القضاء الاداري لصدوره خلافاً لقواعد الاختصاص النوعي على فرض صحه ما يدعيه بالنسبة لقراره لايحتاج الى اقامة دعوى لان الحكم المعدوم هو الذي يكون فاقداً لاحد العناصر الهامة من عناصر تكوينه وهو لايحتاج الى اعلان قضائي لابطاله لانه ليس بحاجه الى من يعدمه وبامكان كل ذي مصلحة ان يتمـــسك بانعدام الحكم اذ كان صادراً من محكمة غير مختصة وبالتالي فان المدعي لم يكن بحاجه الى اصدار قرار باعدام او ابطال القرار الذي يدعي مخالفته لقواعد الاختصاص وكان بامكانه اللجوء الى قاضية الطبيعي في محكمة البداءه، اي ان الطريق لم يكم موصداً امامه لاستعمال حق التقاضي الذي يكفله الدستور انما كان هو من تخلى عن استعمال حقه في ان يسلك الطريق الذي رسمه له القانون، حيث انه اقر في جلسة المرافعه ليوم 5/1/2021 بعدم اقامة دعوى امام القضاء العادي وبذلك تجد المحكمة عدم وجود اي فراغ او نقص تشريعي في معالجة الحالة التي يدعيها المدعي ….).
ومن قراءة وتحليل الفقرة الحكمية سابقة الذكر نجد ان المحكمة خلطت بين مفهومي البطلان والانعدام، وهل مخالفة الاختصاص النوعي احد حالات بطلان الحكم ام انعدامه ولاسيما انها تتعلق بالنظام العام، ونحن نميل الى الاخذ بفكرة الانعدام القانوني، فالقانون هو الذي يحدد اركان الوجود القانوني وبتخلف احدها يعد العمل منعدماً، لان الاخذ بفكرة الانعدام المادي سيكون تحديد اركان العمل ومن ثم تقرير انتفاء العمل راجع الى الاجتهاد والمنطق القضائي وهذا يؤدي الى اختلاف الاحكام باختلاف الاجتهادات ويحتاج الامر لوقت طويل لغرض الاستقرار على حالات الانتفاء المادي للعمل القانوني او القضائي .
ان قرار المحكمة الاتحادية العليا نفى وجود الحاجة لصدور حكم قضائي باعلان الانعدام وان بامكان المدعي اللجوء لقاضيه الطبيعي قاضي محكمة البداءة، ونحن نميل الى اعلان حالة الانعدام وخصوصاً مع وجود حكم قضائي بات صادر من المحكمة الادارية العليا برد دعوى الغاء عقد البعثه الدراسية، كما ان محكمة البداءة من الممكن ان ترد الدعوى لوجود حكم سابق بات بموضوع الدعوى استناداً للمواد (105) و(106) من قانون الاثبات ولاسيما اذا حاز الحكم قوة الامر المقضي لعدم امكانية الطعن بقرارات المحكمة الادارية العليا بطرق الطعن العادية وغير العادية .
اشار قرار المحكمة الاتحادية العليا بعدم وجود اغفال تشريعي كلي او جزئي يحتاج للايعاز الى السلطة التشريعية للتدخل بتدابير تشريعية لمعالجة هذا الاغفال، في حين ان الواقع يشير الى ان قانون المرافعات لم ينظم انعدام الاحكام وحالاته كما فعلت بعض التشريعات الاجرائية، وهذا الاغفال من شأنه الحد من فاعلية الحقوق والحريات الاساسية المتعلقه بالتقاضي التي نص عليها الدستور .
تنظيم الانعدام
ان الاغفال التشريعي في تنظيم الانعدام وحالاته بنص قانوني عرض قرار المحكمة الاتحادية العليا بالعدد (102/اتحادية /2024) في 15/4/2024 الى اعلان انعدامه من قبل محكمة التمييز الاتحادية بموجب قرارها بالعدد ( 4/ الهيئة العامة/2024) في 29/5/2024 لانتفاء ولايتها المتعلق بموضوع تعديل نص قانوني نافذ ولصدور الحكم خلافاً لقواعد الاختصاص ولكون قواعد الاختصاص من النظام العام، وبذلك تكون محكمة التمييز الاتحادية قد اعتمدت نظرية الانعدام المادي عندما اعتبرت الحكم المعدوم كأنه لم يكن ولايرتب اي اثر قانوني وغير قابل للتنفيذ مطلقاً ولايحوز حجيه الامر المقضي لانه ولد ميتاً كما ورد في حيثيات قرارها، وتقرير الانعدام ليس مرجعه نص قانوني وانما اجتهاد ومنطق المحكمة التي قررت حالة الانعدام.
لما تقدم ندعو المشرع العراقي الى تلافي حالة الاغفال التشريعي وتنظيم انعدام الاحكام القضائية بنص القانون كما فعلت بعض التشريعات الاجرائية والتمييز بين حالات بطلان الاحكام وانعدامها في العمل القضائي … والله الموفق .