الكتل السياسية وبورصة انتخاب الرئيس الجديد لمجلس النواب
د. أسعد كاظم شبيب
2024-05-19 05:26
دخلت الكتل السياسية الممثلة داخل مجلس النواب منذ الإطاحة بعضوية السيد محمد الحلبوسي من مجلس النواب في بورصة الاتفاق على انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب، استخدمت فيه شتى أنواع الصفقات السياسية والحزبية والمالية وما الى ذلك.
وتشير المعطيات الى ان هناك عدد من المحددات تريد ان تفرض وجودها وأجنداتها في اختيار رئيس مجلس النواب خلفاً لمحمد الحلبوسي كونه -أي موقع رئيس مجلس النواب- يمثل واجهة أساسية من الممكن ان تشكل موقعاً سياسياً وشعبياً لمن يتعامل معه بآليات المشهد السياسي والحزبي والسيادي في العراق، ومن ذلك تدلل المعطيات على ان المحددات التي تساهم بطريقة او بأخرى في تحديد هوية وشخصية رئيس مجلس النواب المقبل على مستوى الكتل السياسية الفاعلة وهي على النحو الآتي:
1- القوى السنية
انقسمت الكتل السياسية حول من سيكون رئيساً لمجلس النواب فهناك تحالف السيادة بزعامة السيد خميس الخنجر الذي قدم السيد سالم العيساوي لرئاسة مجلس النواب، في حين حاول تحالف تقدم بزعامة السيد الحلبوسي الى تقديم عدد من المرشحين ظاهريا مثل السيد شعلان الكريم لكنه لم يكن مجداً بذلك بدليل فشله في الحصول على النصاب الكامل في جلسة اختيار رئيس مجلس النواب قبل أشهر، وذهب تحالف تقدم باتجاه دعم اكثر من شخصية لكن في ذات الوقت وقف بالضد من أي شخصية سنية قد تشكل تحدياً لزعامة الحلبوسي وحضوره في الانبار بشكل خاص والمكون السني بشكل عام.
ومن ذلك رفض اكثر من مرشح ومنهم السيد سالم العيساوي مرشح الخنجر عن محافظة الانبار، في حين طرح تحالف عزم بقيادة مثنى السامرائي الحليف السني المقرب من قوى الاطار التنسيقي رئيس مجلس النواب الأسبق السيد محمود المشهداني الذي تم رفضه في جلسةً سابقةً من قبل عدد من القوى السنية مثل: تقدم والسيادة، اذ كانت المنافسة بين ثلاثة مرشحين سُنة على المنصب، وهم: سالم العيساوي، وقد حصل سابقا على (97) صوتًا خلال الجلسة الأولى التي عُقدت خلال شهر كانون ثاني/ يناير الماضي، ومحمود المشهداني الذي حصل على (48) صوتًا، وطلال الزوبعي الذي حصل على صوت واحد، ومن ثم فشل تمرير المرشح شعلان الكريم، والان تراجع بعض المرشحين مثلما سيتضح.
وتبدو خارطة دعم المرشحين بين القوى السياسية قد تغيرت في الأسابيع القليلة الماضية ففي وقت سابق كانت بورصة المنصب متجه صوب شعلان الكريم الذي فشل بعد ان تخلى عنه تحالف تقدم ليعلن بعد ذلك انشقاقه من التحالف مع بعض النواب، ومن صعود اسم المرشح سالم العيساوي كمرشح مقبول من بعض القوى السنية وكذلك من قوى الاطار التنسيقي، ويبدو ان العيساوي تراجعت حظوظه في ضوء خشية الحلبوسي وتحالفه من توجهاته وشخصيته وحضوره لاسيما وانه ينحدر من محافظة الانبار التي تشكل الثقل السياسي والشعبي للحلبوسي، والخشية من تغيير خارطة نفوذ القوى السياسية والحزبية هناك من الحلبوسي لصالح خصومه من السنة الاخرين مثل: الخنجر والسامرائي وغيرهما، وهو ما جعل الحلبوسي ينزل في تكتيك جديد عند رغبات قوى الاطار التنسيقي في دعم ترشيح السيد محمود المشهداني لرئاسة مجلس النواب مثلما سيتضح من خلال المحور الآتي.
يأتي ذلك في ظل تشكيل كتلة (الصدارة) المتكونة من أربعة نواب وهم: محمود المشهداني، طلال الزوبعي، خالد العبيدي، محمد نوري عبد ربه، وعقب الإعلان عن انضمام كتلة الصدارة إلى حزب تقدم، كشف مصدر سياسي مطلع، أن الحزب والكتلة أعلنا تقديم محمود المشهداني مرشحا لرئاسة البرلمان، وقال المصدر إن الترشيح حظي بدعم من الحلبوسي وانسحاب من طلال الزوبعي، ليبقى المشهداني مرشحًا منفردًا بمواجهة سالم العيساوي والذي على ما يبدو تراجعت حظوظه بعد اصطفاف قوى مهمة داخل الاطار مع المشهداني مثلما سيتضح من خلال الآتي.
2- قوى الإطار التنسيقي
تمثلت رغبة الإطار التنسيقي بعد الاستفادة من انهاء عضوية السيد محمد الحلبوسي من رئاسة مجلس النواب بقرار قضائي بإيجاد شخصية سنية تدور في فلك قوى الإطار التنسيقي وتحقق له ما يريد، وفي ضوء ما كانت المنافسة دائرة بين ما يريده الحلبوسي وما تريده بعض قوى الإطار التنسيقي، وقد كان ميل الإطار فيما مضى باتجاه دعم السيد سالم العيساوي، وهذا ما صرحت به قيادات داخل الاطار آنذاك بأن الانقسام ما زال واضحًا ما بين قوى الإطار التنسّيقي بشأن دعم مرشح معين لرئاسة مجلس النواب، لكن أغلبية الإطار مع دعم المرشح سالم العيساوي، ليكون رئيسا للبرلمان، مع وجود أطراف من الإطار تذهب مع المرشح محمود المشهداني، لكن الأغلبية مع العيساوي، وبما ان الاخير غير مرغوب به في حسابات (تقدم) ذهبت باتجاه تلبيه رغبة بعض قوى الاطار التنسيقي في دعم محمود المشهداني، وبالتالي فإن هذا الخيار يبدو قوياً من قبل القوى النافذة داخل الاطار التنسيقي مثل: دولة القانون بزعامة السيد نوري المالكي الذي صرحت كتلته بصراحة بانها تدعم المشهداني لرئاسة مجلس النواب، وهو خيار يبدو الأقرب لحد الآن لرئاسة مجلس النواب، وقد يمضي بمنحه الأصوات في الجلسة القادمة.
3- القوى الكردية
لعل احد أسباب إطالة عدم انتخاب رئيس لمجلس النواب يعود الى تكتيكات ومواقف اتخذها السيد محسن المندلاوي النائب الأول لرئيس مجلس النواب، الذي اتخذ لنفسه صفة وظيفية كرئيس المجلس بالنيابة في دلالة على أهمية الدور الذي يقوم به صحيح، ان المندلاوي محسوب على قوى الاطار التنسيقي وربما هناك بعض القوى تدعم بقاءه في رئاسة المجلس بالنيابة لما لهذا الموقع من حسابات مهمة منها ان وجوده يضفي له موقع متصاعد سياسياً خصوصاً بين القوى السياسية الشيعية وربما حتى الكردية، وقد سعى طوال المدة الماضية الى التصويت على بعض التشريعات والقرارات المهمة التي كانت مطلباً مهماً لبعض القوى السياسية لاسيما الشيعية منها، وفي الوقت نفسه يحاول المندلاوي توظيف بقاءه في منصب الرئيس بالنيابة الى تكوين قاعدة شعبية مستفيداً من إمكانياته المالية ومشاريعه واستثماراته.
ومما تقدم تبدو بورصة انتخاب مجلس النواب تتجه صوب توافق ظاهري مصلحي لتقديم شخصية ضعيفة قد تلبي طموحات قوى الإطار التنسيقي لكن لا يزعج بالوقت نفسه حضورها او امتدادها السياسي المستقبلي، فتحالف تقدم المتوجس من ان تكون رئاسة مجلس النواب مقدمة لهيمنة سياسية على حساب تحالف تقدم خصوصا في مناطق نفوذه مثل الانبار وهو ما قللت تلك الحسابات من حظوظ السيد سالم العيساوي الشخصية القوية المحسوبة على قوى الاخوان المسلمين.