هل نبدع مع الخوف؟
مصطفى ملا هذال
2024-05-08 09:37
نجري حوارات شبه دائمة في البيت والعمل عن السياسية والرياضة والموضوعات الاجتماعية المتنوعة، نسعى من خلال هذه الأحاديث الى تقريب بعض المفاهيم ونحرص على ان تكون هذه المقاربة حيادية الى حد ما، ونتساءل في معظم الأوقات عن هل بالإمكان ان يبدع الانسان في عمل معين إذا كان خائفا، واي نوع من الخوف يمنعه من الابداع؟
الخوف في التعريف العام يعني الشعور بالخطر من شيء يعرفه فقط الشخص الذي يشعر بالخوف، ويؤدي إلى تغيير في بعض الوظائف العضوية، فيكون الاختباء والرعب والفزع والتبلد وفقد الإحساس بالأمان وفعل أشياء على غير المألوف، ويختلف الشعور طبقًا لنوع التهديد.
فهناك من يخاف من بعض الحيوانات، وهناك من يخاف انقطاع الرزق، ومن يخشى المستقبل أو أن يتعطل عن العمل، فتتعدد المسببات ومنها ما هو منطقي، ومنها ما هو غير منطقي لا مبرر له، وهنا نريد الحديث عن الخوف بصفته معطل للطاقات البشرية.
ففي العمل يكون الخوف في بعض الأحيان غير مبرر، ولا يوجد داعي لان يخيم على الشخصية المسؤولة، اذ نلاحظ كثير من الأشخاص من أصحاب المسؤولية، لديهم خوف واضح من المسؤول الأعلى، ويحاولون في جميع المواقف والتصرفات الحصول على رضاه، وفي مقابل ذلك الامر يضغطون على موظفيهم بشكل غير منطقي مما يوجد حالة من التذمر وعدم الإخلاص في العمل.
من الطبيعي ان يخاف الانسان وفي بعض المخاوف نجاة من المنزلقات، فمثلا المدير او المسؤول الذي يخشى على مستقبله ومستقبل اسرته، يخاف من فعل أشياء غير قانونية، ويذهب عادة الى التعامل مع الأمور بالقانون الذي يجعله دائما بمأمن في ظل التغييرات الحاصلة وبشكل دوري.
ومن الطبيعي أيضا ان يخاف الموظف على مكانته الوظيفية، ويبتعد عن فعل الأشياء التي تهدد مستقبله وربما خسارة عمله، مهما كانت الضغوط الممارسة ضده، وكثيرا ما يصاب البعض بالرهبة الشديدة والضغوط التي يقع تحت تأثيرها.
السؤال الآخر هنا هل يتولد إبداع مع الخوف؟
الابداع عادة لا ينتمي الى البيئة غير الآمنة، وفي عودة الى المثال السابق، وهو المدير او المسؤول الخائف من مديره الأعلى. مثل هذه الشخصيات يغيب الابداع عن عملها وتصب جل تركيزها على إرضاء ذلك المسؤول بعيدا عن المهنية والابداع والتميز في جميع الأمور.
معظم الوقت يقول ان توجيهات المسؤول الأعلى غير صحيحة، لكنه يجب ان يكون بهذه الصورة!
الترجمة الحرفية لجملة "هذه الصورة" هي الرضى من قبل الموظف الأعلى، الذي يخشى أيضا من الأعلى منه، وهكذا تستمر سلسلة المخاوف وصولا الى قمة الهرم، وبذلك يكون الابداع عنصر غير مرغوب فيه او غير متواجد في بيئة العمل هذه.
الخوف هو السلاسل التي تقيد حرية الفرد وتمنعه الخروج من اركان شخصيته الضيقة، فمثلا طالب كلية الطب قد يشعر بالرهبة في أول محاضرة عملية بمادة التشريح ولكن التعود على الفعل يقتل هذا الخوف الكامن في داخله وتبدأ غرفة التشريح بالنسبة له كأي مكتب يأكل أو يشرب وأمامه الجثة ولا يشعر بالخوف ولا بمنظر الدماء على عكس باقي البشر.
وكسر حاجز الخوف والثورة عليه من قبل طلبة كلية الطب، يشجعهم ويجعلهم أكثر استعدادا لمواجهة المتغيرات الأخرى على المستوى المهني، فتشريح الجثة ربما يتحول الى عمل مُسلي للبعض الذي يريد ان يبدع ويغوص في أعماق هذا المجال، ليخدم البشرية ويسهم في انقاذ الافراد من الموت او الهلاك المحتوم.
سئُل أحد الأشخاص عن سبب تأخير زواجه، فأجاب بأن الخوف من المستقبل المجهول هو المانع الرئيس في الإقدام على الزواج وتكوين الاسرة، فهل هذا الخوف منطقي؟
مثل هذه المخاوف غير منطقية وربما يكون من السذاجة التفكير بهذه الطريقة، والصحيح هو تدشين هذه الحياة والعمل على تكوين اسرة والابداع في تنشئتها التنشئة الصحيحة، وهنا المقصود من عدم الامتثال لحاجز الخوف.
ويدفعنا الخوف في بعض المواقف الى كتمان الحقيقة وعدم إحقاق الحق، خصوصا في الأنظمة الشمولية التي يكون إبداء الرأي يجلب مضرة كبيرة لصاحب الطرح، ويحدث الاختلاف هذا أيضا حسب نوع الشخصية، فمثلا هناك دكتور في الجامعة قد يقبل اختلاف وجه نظر أحد طلابه ويستمر في مناقشته برُقي إلى أن يصلا إلى نقطة تلاق، بينما يوجد آخر يكشر عن أنيابه ويرفض حتى فكرة الاختلاف معه، وتبقى المسألة متوقفة على شجاعة الطالب وعدم التراجع عن فكرته التي يعتقد انها صحيحة.
والصحفي الذي يخشى السلطة التي تقصي الصحفيين المبدعين عن الساحة الإعلامية، يحاول ان يجانب الحقيقة ويبقى في نظر بقية السلطات ذو مكانة مرموقة على حساب الابداع، بينما من تجرد عن الخوف وترك الأمور تسير في ركبها، يواصل منهجه وان انتهى فيه المطاف الى المعتقل.
التمرد على عنصر الخوف يجعل الفرد غير آبه للمعوقات التي ستواجهه، ومن يريد ان يتسلق سُلم الابداع عليه أولا ان يفكر خارج الصندوق ويبتعد مسافة اميال عن المسببات بالإحباط والتراجع، والتشبث بخيوط الإصرار لمواصلة المشوار الذي ينتهي بتحقيق الحلم الذي لا يعيش مع الخوف.