التعليم العالي: المشهد المحذوف
مصطفى ملا هذال
2024-04-28 05:46
التعليم هو الركن الأساس من اركان تنمية الشعوب، لا بل يمكن عده حجر الأساس الذي تقوم عليه نهضة أي بلد او امة تريد التقدم والرقي، فمن يريد الوصول الى منطقة المستقبل المشرق وتحقيق الرفاهية والتنمية، عليه ان يبدأ أولا ببناء الانسان بالعلم الذي ينعكس فيما بعد على قطاعات الدولة كافة.
لا يمكن ان يبنى الانسان بدون توفير البيئة الصحيحة المتوافرة على عناصر البناء، فالتعليم العالي في العراق يحتاج الى إعادة نظر على جميع المستويات، وإذا عرض المشهد الحقيقي للتعليم فهو يختلف كثيرا عن المشاهد التي يتم تسويقها على المنصات الاجتماعية والمحطات الإعلامية.
المشهد المحذوف للوضع الحالي الذي تعيشه كليات ومؤسسات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بصورة عامة لا يطمئن ولا ينم عن وجود استراتيجية حقيقية للبناء الرصين، وكأن الأمور تسير لعبور مرحلة وان انفصلت عن المراحل الأخرى، فلا تجد دراسات بعيدة المدى لتمتين وترصين التعليم بمجمله.
اغلب الجامعات الحكومية تعاني من تدهور كبير ببناها التحتية، المختبرات خالية من الأجهزة اللازمة لإجراء التجارب العلمية وإكمال الخطط البحثية، اذ يضطر الباحث او طلبة المراحل الأولية الى التوقف عن البحث في مجال ما او اتباع الطرق التقليدية لإكمال البحوث العلمية.
بعض الأبحاث تحتاج الى مبالغ وإمكانات هائلة لإظهارها بالشكل المطلوب وتحقيق النتائج العلمية التي وضع البحث لأجلها، أضف الى ذلك إشكالية عدم تقديم الدعم الكافي للباحثين في مجال يعود بالفائدة على المؤسسات الحكومية بما فيها الخدمية التي تعتبر على تماس مباشر مع المواطنين.
التهديد الخطير الذي يواجه عدد كبير من عمداء الكليات في معظم الجامعات هو نقص التخصيصات المالية للكليات، وبالنتيجة تبقى الحاجة قائمة لبناء المختبرات، وانشاء القاعات الدراسية والقيام بسفرات علمية مع الجامعات والكليات المناظرة، فعلى سبيل المثال بعض التخصصات التي يحتل فيها الجانب العملي أهمية كبيرة، تخلو كلياتها من المختبرات او أدوات للتطبيقات العملية.
فقدان الجوانب العملية لا يقل أهمية عن ضيق القاعات الدراسية، فكما في المدارس الحكومية، القاعات الجامعية مزدحمة بالطلبة نظرا لاتساع خطة القبول، وكذلك بعض الاعتبارات، أولها الاعتبار المادي، فإذا كانت الكلية فيها دراسة مسائية تعد مورد اقتصادي مهم بالنسبة للكلية لا يتم مراعاة الجوانب الأخرى المتعلقة بترصين التعليم.
التعليم اليوم لا يحتاج الى عقد المزيد من المؤتمرات العلمية الشكلية، التي تخضع بمجملها الى المجاملة على حساب الرصانة، وتذهب توصياتها في مهب الريح، كغيرها من النشاطات العلمية والثقافية التي تشهدها جميع الوزارات، لذا تبقى هذه المؤتمرات خالية المضمون، غائبة الأهداف.
لقد اُتخمت الجامعات العراقية من توقيع مذكرات التفاهم والشراكات العلمية الوهمية، دون ان تظهر نتائج هذه البنود والاتفاقيات على ارض الواقع، جميع هذه الاتفاقيات لا ترى النور، لأنها تصطدم بواقع غير مهيأ لهذه المهمة الكبيرة والمرحلة الحاسمة للانتقال الى حالة الشروع بالتغيير.
في الأشهر الماضية أطلقت وزارة التعليم العالي مبادرة علمية "ادرس في العراق"، ظاهر المبادرة كله إيجابيات، لكن يمكن تسجيل بعض الملاحظات على هذا الاطلاق، الملاحظة الأولى ان الوزارة بادرت وهي تعلم ان بناها التحتية لا تتحمل المزيد من الضغط، في الوقت الذي تشير الانباء الأولية الى وصول الاعداد الوافدة في السنة الدراسية القادمة لآلاف.
ألا يفترض بأن تؤجل الوزارة هذه المبادرة الى حين تحسينها الوضع العام لجامعاتها، وجعل طلبتها يحققون احلامهم البحثية وطموحاتهم العلمية في بيئة جامعية مثالية، ومن ثم الانفتاح على العالم واستقطاب الطلبة.
هذه المبادرة ينتظر منها ان تكون أداة دعائية للحكومة العراقية، لكنها قد تتحول الى باب من أبواب تقليل شأنها نظرا لما وجده الطلبة الأجانب من واقع غير متوقع بالنسبة للبنى التحتية في معظم الكليات.
لا نريد البكاء على الأطلال، ونتذكر ما كانت عليه البيئة الاكاديمية العراقية، حيث قدم آلاف الطلبة لطلب المعرفة من القامات العلمية العراقية، علينا أن نعترف بالحقيقة، حتى نستطيع مواجهتها، لا نريد تجميل شيء خاطئ، يجب أن نعترف بالقصور الناتج عن تعاملنا مع التحديات التي نواجهها لنغير هذا الوضع المتردي.