مواجهة خطاب الكراهية
وجدان عبد العزيز
2024-04-15 04:27
تبقى الكراهية بخطابها المعاكس لخطاب الحب في تضاد، وتعاكس لخطاب الحب الجمالي النابع من أعماق الإنسان الفطرية التلقائية، فخطاب الكراهية هو كلام مسيء يستهدف مجموعة، أو فردا على أساس خصائص متأصلة، مثل العِرق، أو الدين، أو النوع الاجتماعي، وهذا الخطاب يسبب تهديد السلم الاجتماعي، وهو أبسط تعريف لخطاب الكراهية، والقريب نوعا ما، لما جاء به القانون الدولي وحقوق الإنسان، لاسيما فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير وعدم التمييز والمساواة.
وجاء سعي الأمم المتحدة لتضع تعريف هو نوع من التواصل، الشفهي، أو الكتابي، أو السلوكي، الذي يهاجم، أو يستخدم لغة ازدرائية، أو تمييزية بالإشارة إلى شخص، أو مجموعة على أساس الهوية، وبعبارة أخرى، على أساس الدين، أو الانتماء الإثني، أو الجنسية، أو العِرق، أو اللون، أو النسب، أو النوع الاجتماعي، أو أحد العوامل الأخرى المحددة للهوية.
فما أحوجنا نحن العراقيين اليوم لخطاب المحبة والتعايش السلمي، بعدما عشنا الفوضى الكاملة في ظل سقوط الدكتاتورية، والتي سعى أذنابها لزرع هكذا خطاب، لتهديد التعايش السلمي، الا ان شعب العراق بتماسكه، وتماسك مكوناته عبر تاريخه المجيد استطاع التغلب على هذا الخطاب وتجاوزه، وكوننا الاكثرية اسلامية نتمسك بما أوصت السنة النبوية الشريفة بالحب، استنادا لقول الحبيب المصطفى (ص): (لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه)، فان الرسول هنا لم يخاطب المسلم، بل شمل غير المسلم، وجملة معنى الحديث الشريف، اي بمعنى ( لا يؤمن، يعني لا يكون مؤمنًا حقًّا تام الإيمان إلا بهذا الشرط؛ أن يُحِبَّ لأخيه ما يحب لنفسه من الخير، وما يُحِبُّ لنفسه من ترك الشر، يعني ويكره لأخيه ما يكره لنفسه، هذا هو المؤمن حقًّا، وإذا كان الإنسان يعامِل إخوانه هذه المعاملةَ، فإنه لا يمكن أن يغُشَّهم أو يخونهم، أو يكذب عليهم، أو يعتديَ عليهم، كما أنه لا يحب أن يُفعل به مثل ذلك، وكان عليه أفضل الصلاة والسلام، يدعو لكفار قريش بالخير، ويحبه لهم، ويقول: (اللهم أهد قومي؛ فإنهم لا يعلمون)، ومما يؤكد أن المراد محبة الخير للناس جميعاً، لا فرق بين مسلم، وكافر وقول الرسول الثاني في مقالتنا هذه، حيث قال: (أفضل الإيمان، أن تحب للناس ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك)، وهنا ايضا تأكيد ثاني، لتعميم المحبة بين الناس، ويؤكد من ناحية أخرى أن المجتمع يؤوي المسلم وغيره، ولا بد أن تُبنى قاعدة المحبة بين أبناءه.
من هنا علينا ان نربي انفسنا على المحبة لإخوننا، حتى يتحقق الإيمان في دواخلنا، وجاء شرح حديث الرسول في هذا السياق، ليعزز المعنى اكثر بقوله: (من أَحَبَّ أن يُزحزَح عن النار ويُدخَلَ الجنة، فلْتَأتِهِ مَنِيَّتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، ويحب أن يأتي إلى الناس ما يُؤتى إليه)، فوضع حق الله وحق العباد بميزان واحد لينشر السلام بين المجتمع، وحيث نصت المادة من دستورنا الدائم لسنة 2005 ما يلي: المادة (7): (اولاً: يحظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه وتحت اي مسمى كان، ولا يجوز أن يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون).
ومن منطلق نبذ الكراهية ونشر المحبة ينشأ السلام وبغياب المظاهر السلبية مثل العنف، أو بحضور المظاهر الإيجابية مثل الهدوء، والاستقرار، والصحة، والنماء، الخ، يمكن أن نقترب من مفهوم السلام الاجتماعي، الخالق لحالة توازن بين الأطراف المجتمعية المختلفة في المصالح، والقوة، والإمكانات، والإرادات، ومن نبذ الكراهية إلى ترسيخ المحبة، قد استطعنا من خلال هذا كيفية صناعة الحب وتجذيره بين أبناء الوطن الواحد.