من هو الموظف الكاسب؟

مصطفى ملا هذال

2024-03-13 03:46

تعديل سلم رواتب الموظفين ليس ترفا كما يروّج له البعض، بل أصبح من الضرورات الحتمية التي تتطلبها المرحلة الحالية مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات وانخفاض مقدار الراتب الى ما يدنوا من الثلث او الربع، فالخوف كل الخوف يأتي من الانشغال في صراعات الإرادات السياسية والزمن يجري بسرعة الرياح ويبقى المواطن الموظف يعيش في هذه الدوامة.

التعديل من المطالبات الشعبية التي تأخرت الحكومات المتعاقبة في تنفيذها، حتى وصلت أروقة الحكومة الحالية، التي قطعت الشك باليقين على لسان رئيسها السيد فلاح السوداني الذي قال إن "تعديل سلم الرواتب يحتاج إلى تعديل وإلغاء 34 بين قانون وقرار لأنه يتعارض مع القرارات السابقة وهذا يحتاج إلى دراسة وبحث معمق"، وأردف قائلا "اتخذنا قرارات بزيادة المخصصات للرواتب الدنيا حتى لا ننتظر تعديل سلم الرواتب".

هذه التصريحات هي المسمار الأخير في نعش سلم الرواتب الجديد المرتقب من قبل الشرائح المنتظرة للفرج الذي طال امده، وبذلك وضعت لنا الحكومة الحالية حتمية لا يمكن لأي حكومة تجاوزها وهي صعوبة التعديل في ظل الظروف الراهنة التي يعيشها العراق، وبعابرة أخرى الحراك السياسي الذي لا يمكن ان يهدأ لفترة او دورة انتخابية.

يعترض شريحة واسعة من المواطنين على الزيادة في الرواتب، بداعي التأثير على السوق المحلية، فأي زيادة يمكن ان تُحدث قفزة او قفزات في الأسعار، لكن الغرابة ان الطفرات حاصلة يوما بعد آخر، والمرتب الشهري ما عاد يكفي لمتطلبات العائلة المتزايدة، وتحول الموظف الى كاسب في دوائر الدولة.

الاعتراض يحمل جانب كبير من الاحقية في الواقع، لكنه غير مبرر للأسباب التي ذكرت قبل قليل، فالدخل الشهري الذي لا يتجاوز المليون او اقل بكثير، يعاني صاحبه من نقص في الحاجات الاسرية الضرورية، ويضطر الى حرمان افراد العائلة من بعض الرغبات لإتمام الشهر دون الوقوع بشباك الدين.

ومثلما الحكومة مسؤولة عن النظر في احتياجات المواطنين، فلابد ان تضع نصب اعينها حاجة الدرجات الدنيا من الموظفين، فهذه الفئة تحولت الى فئة معدومة مع مرور الوقت، وأصبحت أسيرة الوظيفة الحكومية التي صارت عبئا عليهم وليس رحمة لهم.

رفض الحكومات السابقة تعديل سلم الرواتب افضى الى هذه النتيجة وخلق الفجوة الكبيرة بين الدخل الشهري وحجم الانفاق الكلي للعائلة، وبالنتيجة ازدادت المطالبات بإقرار التعديل الذي من المؤمل ان يُحسن حياة أكثر من نصف سكان البلد، ويحول حياتهم الى حياة مستقرة بعيدة عن التقلبات الآنية في الأسعار.

التفاوت وارتفاع الأسعار أدى الى حصول مطاردة غير متوازنة بين المستوى الدخل والحاجات الممكنة شراءها، وهو ما أدى الى ظهور بعض الممارسات السلبية والحالات التي لا تمت للعرف الاجتماعي والأخلاقي بصلة، ومن بين أبرز هذه الظواهر هي انتشار الرشوة بين الموظفين، فالكثير يشكوا من مقايضة بعض الموظفين لإنجاز معاملة او قضية في دوائر الدولة مقابل مبلغ مالي.

حاجة الموظف الى جانب الرقابة المعدومة افرزت مثل هذه النشاطات او التعاملات المشبوهة، وبالنتيجة تضاعفت المهمة وصعب حلها من الجهات المعنية، فمثلا بعد انتشار الفساد، (الرشوة)، أصبح امام الحكومة قضيتين تحاول التخلص منهما، الأولى معالجة تدني الرواتب، والثانية هي الفساد الذي استشرى في جسد المؤسسات الحكومية.

جميع المشكلات وان بدت بسيطة في أولها، تتحول الى معضلة في النهايات، فسوء الإدارة والتخطيط الحكومي عظم المشكلة وضيع الكثير من الفرص ولا أحد يعرف أسباب ذلك الضياع، لكن يبقى الامل في وضع الحلول تحسبا لما قد يكون أكثر تأثيرا وضررا بالأفراد، وربما الانشغال الدائم بالقضايا الصغيرة وترك المجالات المحورية هو من يجعل الموظف يعيش حياة الكاسب التي تحولت في مجملها الى مأساة.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا