الإسكان رهينة التفاوت الطبقي
عبد الامير المجر
2024-03-05 06:04
في سبعينيات أو ثمانينيات القرن الماضي، قرأت مادة عن (نظام الفصل العنصري) في جنوب افريقيا، نشرتها إحدى الصحف العراقية، وتضمنت صورتين الأولى لعمارات شاهقة والثانية لأكواخ، وإن لم تخنِ الذاكرة، جاء التعليق تحت صورة العمارات (عمارات فارهة للعنصريين) وتحت الاكواخ (واكواخ بائسة لأبناء البلد).
لا ادري لماذا تحضر تلك المادة وصورها امامي باستمرار كلما رأيت عمارات تشهق في بغداد، حيث كثر في السنين الاخيرة بناء المجمعات، التي تأتي في سياق الاستثمار الذي نراه غير مدروس بشكل جيد ويحتاج إلى وقفة جادة من قبل الدولة، ليكون اكثر تنظيما وفائدة، ولنا في فوضى بناء (المولات) شاهد لا تخطئه عين.
بناء المجمعات السكنية ليس خطأ بل مطلوب، ولكن السؤال الذي يكبر كل يوم؛ هو من سيشتري شقق تلك المجمعات الفارهة وقد بلغت اسعارها اكثر من 400 مليون دينار؟! نحن نعتقد ان الاستثمار الامثل للاستثمار هو أن تتعاقد الوزارات مع شركات عالمية متخصصة بالبناء، لكي تبنى لموظفي كل وزارة، مجمعات على غرار ما نراه في بغداد وغيرها اليوم وفي كل محافظة على ان يقدم كل موظف مقدمة مناسبة مع تعضيد من قبل الدولة، ويكمل الموظف المستفيد بقية المبلغ بالتقسيط ومن راتبه، لحين اكمال تسديده بالكامل لتكون الشقة بعد ذلك ملكا له وعائلته، وبهذه الطريقة تستفيد اكبر شريحة في المجتمع من هكذا استثمار ويستفيد بقية المواطنين من الانخفاض الكبير في اسعار العقارات الذي سيكون تحصيل حاصل، وبذلك تنتهي ازمة السكن التي صارت من اكبر المشاكل التي يواجهها اي عراقي، لا سيما المتزوجين الجدد واصحاب الدخل المحدود من المستأجرين الذين يعيشون تحت رحمة المؤجرين.
كثيرون من العراقيين سافروا إلى الهند ولاحظوا التفاوت الطبقي الكبير بين الناس هناك، حيث يعيش الاغنياء في قصور خرافية بينما يعيش الفقراء في بيوت من صفيح أو في العراء ومحرومين من ابسط الخدمات، وهو ما بات واقعا نراه اليوم في العراق الغني للأسف.
حيث يعيش الملايين في بيوت التجاوز التي شكلت عشوائيات مخيفة وسط العاصمة بغداد وغيرها، بينما يرون العمارات تشهق من حولهم ويشتريها الذين لديهم المال وحدهم، وان حلا واقعيا لم يحصل حتى الان على الرغم من وعود البناء التي اطلقتها الدولة، لان هذه المشكلة لن تحل بغير بناء المجمعات وبطريقة الاستثمار التي اشرنا اليها، منوهين بأن عدد سكان العراق سيكون بعد سنين قليلة اقرب إلى الخمسين مليون، وأن الأزمة تتفاقم وتستولد مع الزمن أزمات أخرى، لأن الطفل الذي ينشأ في واقع خدمي بائس ولايحصل على التعليم المطلوب، ويكبر ويرى بعينيه الحياة المختلفة التي يعيشها المحظوظون من حوله، سيسعى لأن يكون واحدا منهم لكن بطريقة (استثمار) مختلفة، ولعلنا صرنا نحصد الثمار المرة لهذا الواقع، ويجب أن نبحث عن حلول جذرية وموضوعية له، بدلا من الحلول الأمنية والترقيعية.