الربيع الكردي والمعادلات القديمة
باسم حسين الزيدي
2015-10-11 08:06
قد يفسر البعض... التظاهرات التي جابت شوارع السليمانية شمال العراق، والطريقة القاسية التي ردت بها عناصر الامن الكردية على المحتجين، على انها عودة للصراع التقليدي بين الحزبان البارزان في إقليم كردستان شبه المستقل عن سلطة الحكومة المركزية في بغداد، والمتمتع باستقرار اقتصادي وأمني جيد... حتى وقت قريب، خصوصا في حقبة التسعينات التي أودت بحياة الالاف من أنصار الحزبين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، فضلا عن الضحايا من المدنيين.
وقد يكون هذا التفسير واقعيا، لكنه لا يمثل كل الحقيقة... وإذا أردنا ربط هذه الاحداث بما يجري من احداث امنية وسياسية قريبة من حدود الإقليم، فان حقائق أخرى يمكن ان تتبدى امام المراقب، خصوصا وان صراع السابق حول السلطة تم الحد من اثاره بعد ان وضعت الحرب اوزراها، وانتهت بتوقيع "بارزاني وطالباني في سبتمبر من عام 1998 اتفاقية واشنطن بوساطة أمريكية لتأسس معاهدة سلام رسمية"، وتم الاتفاق على تقسيم السلطة بين بارزاني وطالباني بأشراف الولايات المتحدة الامريكية.
خلال تلك الحقبة لم تكن إيران وتركيا والولايات المتحدة الامريكية وسواها من الدول بمعزل عن التأثير والدعم لطرف على حساب الاخر... وكان الزعيمان الكرديان لا يترددان في طلب الدعم والمساندة من الحليف والعدو كلما خسر معركة او تراجع نفوذه لصالح الطرف الاخر... لكن منذ توقيع الاتفاقية الامريكية وحتى الامس القريب كان إقليم كردستان يوصف على انه النموذج الأفضل للإقليم الذي يتمتع بسلطات شبه كاملة لدولة مستقلة... وما حدث ان هناك عوامل تدميرية داخلية وأخرى خارجية كانت تنمو داخل الإقليم بصورة تدريجية ووصلت الان الى نقطة الانفجار... اما العوامل الداخلية
1. الرئيس بارزاني صاحب النفوذ الأمني والاستخباري الكبير داخل الإقليم، وتمسكه العنيف بالولاية الثالثة او البقاء على رئاسة الإقليم أطول فترة ممكنة، وإصراره على تحويل نظام الحكم في الإقليم الى رئاسي مخالفا بقية الأحزاب الكردية التي تفضل النظام البرلماني المشابه للحكومة المركزية في بغداد.
2. الازمة الاقتصادية التي عصفت برخاء الإقليم، وفاقمتها المشاكل مع الحكومة المركزية ومئات الالاف من اللاجئين، وهي مشاكل اقتصادية لم تتمكن الحكومة الكردية من حلها رغم تصديرها للنفط بمعزل عن الحكومة العراقية وعمليات التهريب وغيرها.
3. الانتهاكات المستمرة لحقوق الانسان، خصوصا من طرف حزب بارزاني، والتي طالت النشطاء والمعارضة والاعلام، وما رافقة من قمع لحرية التعبير عن الرأي والاستبداد في السلطة من قبل عائلة بارزاني والمقربين منه.
اما العوامل الخارجية
1. الخلاف الكردي-التركي حول حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره تركيا من الد اعدائها، وتتهم الزعامات الكردية في العراق بتوفير الدعم لها، وسبق ان كان لتركيا دور في اثارة الاضطرابات داخل الإقليم، ويمكن ان تكرر سيناريو اثارة القلاقل دفاعا عن مصالحها او للضغط على الإقليم.
2. الطموح باستقلال إقليم كردستان وانفصاله بصورة نهائية عن العراق اثار مخاوف عدة دول إقليمية مجاورة للعراق، ويسكن فيها اكراد قد يتشاركون ذات الحلم مع الإقليم، فيما نجح في تحقيقه، وبالتالي فان إيران وتركيا وسوريا لها مصالح في افساد الطموح الكردي في الاستقلال بشتى الوسائل الممكنة.
3. الحرب ضد داعش ولدت الكثير من الازمات الجانبية لدى الإقليم، بعضها يتعلق بإدارة الاقتصاد والأخر بالأمن والثالث بالتوسع نحو ضم المزيد من الأراضي العراقي بعد وضع اليد عليها والرابع بإدارة الدبلوماسية خارج حدود الإقليم... وقد حدد بارزاني طموحات الإقليم بإطار سلطوي تابع من رغبته في السيطرة على الحكم وليس العمل من اجل الإقليم ذاته، وهذا ما ولد له المشاكل التي يعاني منها بارزاني أولا والاقليم ثانيا.
اغلب الظن ان (الربيع الكردي) القادم سيطيح بالمعادلات القديمة في الإقليم بصورة خاصة، وسيتجه مسار التغيير نحو انفتاح أكثر عقلانية للتعامل مع الحكومة المركزية والخلافات التي عصفت بالجانبين بصورة عامة، ولعل الأطراف الإقليمية والدولية ساهمت في اشعال فتيل الازمة لإنهاء حقبة (منتهية الصلاحية) وإنعاش (شمال العراق) بنظام وقادة جدد يساهمون في بناء الاستقرار في المنطقة.