العراق والانسحاب الامريكي: هل تتكرر التجربة الحماسية؟
مصطفى ملا هذال
2024-01-20 04:55
شهدت ولاية نيوجيرسي الأمريكية حفل وداع 1500 جندي سينضمون إلى القوة الأمريكية التي تقاتل ضد ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في كل من سوريا والعراق، بحسب ما ذكره موقع ايرو نيوز الاخباري، وبالطبع مثل هذه الاخبار لا تمر على من يهمه الامر كمن غيره من سائر الناس.
مثل هذه الانباء تطرد الخمول الذي يصيب احيانا فصائل المقاومة الرافضة للوجود الأجنبي جملة وتفصيلا، فهل تتكرر التجربة الحماسية في العراق؟
عودة الى الوراء
أكثر من مئة وسبعين ألف جندي أجنبي من حلفاء وأصدقاء الولايات المتحدة اشتركت في احتلال العراق وتغيير النظام السياسي فيه عام 2003، بقيادة حكومة البيت الابيض، خرج الجزء الاكبر من هذه القوات نتيجة الاتفاق على الانسحاب بين الحكومة العراقية والحكومة الامريكية في عام 2011.
بعد ذلك تقلص الوجود الأمريكي في العراق ليصل الى قرابة الالفين وخمسمائة جندي بصفة مستشار عسكري، فضلا عن مهمة الحماية على السفارات والقواعد الامريكية في العراق، لكن هذا العدد رغم قلته، يراه محور المقاومة سببا كافيا لتأليب الرأي العام الشعبي ضد الوجود الأجنبي وضرورة الدفاع عن السيادة الكاملة.
تتحدث تقارير إعلامية نُشرت مؤخرا عن نية الولايات المتحدة استقدام ألف وخمسمائة جندي إضافي الى العراق وسوريا، في الوقت الذي وسع فيه محور المقاومة عملياته ضد ما يسميها بقوات الاحتلال.
تُثار هذه المسألة في الأوقات الحرجة التي عادة ما تعيشها المنطقة من صراعات وتصاعد بوتيرة الاحداث، فهي تعيش على صفيح ساخن لا يمكن ان يهدأ مطلقا، احداث غزة غيرت بوصلة المسارات، واستهداف الحوثيين في البحر الأحمر اقلق المجتمع الدولي برمته، وابدى الجميع تخوفه من النتائج المحتملة وما يحيط بخط التجارة العالمية من مخاطر.
وقد يكون لهذه الأسباب ودّع الالف ونص اسرهم بنية التوجه الى العراق وسوريا ليكون وجودهم عامل توازن للقوى على ارض الواقع، لاسيما وان الأوضاع تتغير بصورة متسارعة لا يمكن ملاحقتها والتنبؤ بما سيحصل في الساعات او الأيام القادمة، ولذلك فالولايات المتحدة تريد ان تعزز وجودها تحسبا لأي طارئ قد يحدث.
التحسب هذا يلغي اماني محور المقاومة المنادي بشكل دائم بضرورة الخروج او إخراج القوات الأجنبية من الأراضي العراقية، وعليه فهي تدرك ان حكومة البيت الأبيض لا تريد افراغ العراق والمنطقة من وجودها، اذ تعتبر وجودها هو وجود توازني مقابل القوى الدولية المؤثر في العراق من بينها إيران ودول المنطقة الاخريات.
وجود شرعي
الوجود الأمريكي الحالي قائم وفق اتفاق أمني شرعي مع الحكومة العراقية والأمريكية، وهو ما يصطدم مع الرغبة الفصائلية التي لا تنام لها عين الا برؤية خروج آخر جندي امريكي من العراق، وقد تمثل هذه الرؤية الرغبة الإيرانية التي تريد تفريغ الساحة من اضدادها.
هناك شيء لا ينبغي نسيانه ان الولايات المتحدة ترى الفصائل هي النفوذ الإيراني على الأرض العراقية، وهي من تتحكم وتسيطر على الأرض، في المقابل هي تملك السيطرة الجوية، فضلا عن قوة التأثير السياسية على الحكومة وبعض الأطراف الراغبة في الإبقاء الأمريكي.
بينما الفصائل العراقية تنظر الى الولايات المتحدة على انه شركة امنية تؤجر خدماتها متى ما تطلب الامر، مثال ذلك الدور الذي لعبته قوات التحالف في الحرب على داعش، الذي أعلن العراق الانتصار عليه عام 2017، وهذا ما لا يروق لها اذ تعتبر نفسها صاحبة الفضل على العراقيين أولا والدولة المهيمنة على دول المنطقة ثانيا.
آثار الانسحاب
للانسحاب الأمريكي بهذا التوقيت تحديدا جملة من الآثار على العراق، من بينها الأثر الاقتصادي، فالاقتصاد العراقي لا يزال اقتصادا هشا تتحكم فيه أمريكا الى حد كبير وتتلاعب بسعر الصرف كيفما تريد ومتى تقرر، وبمثل هذه الحالة يكون الانسحاب بمثابة الاقتراب من الحافة.
وللانسحاب أيضا آثار اجتماعية تتمثل بخلو الساحة امام الفصائل لتمارس تحركاتها بعيدا عن الاستهداف الأمريكي المتتبع لقادتها، وقد تبرز بعض الممارسات غير المسؤولة، لاسيما وان العراق مر بتجربة مريرة في أعوام سابقة جعلت من بعض شرائح المجتمع تطالب ببقاء القوات الأجنبية.
احتجاج محور المقاومة العراقية على الحكومة لتأجيلها الجهود الدبلوماسية، مع إعادة الحديث فيها مع نشوب الازمات والوصول الى حالة من الصدام الدموي، الذي يودي بحياة ثلة من الافراد، مع المعرفة التامة بصعوبة تقدم الحكومة بطلب المغادرة الذي تعلم بعدم تقبله قبل تقديمه.
امام هذا المشهد يكون العراق على موعد مع احتمالية تكرار التجربة الحماسية ومناهضة المحتل من قبل الفصائل التي حيرت رئيس الحكومة الحالية واجبرته على الحديث بخطابين متناقضين، الأول لإرضاء الولايات المتحدة، والآخر لإسكات الوكلاء الذين يحركون الأجواء كلما اتجهت الى التهدئة.