الإسلام السياسي في العراق
د. لطيف القصاب
2015-10-05 08:34
قوى الإسلام السياسي العراقي أو أحزاب الإسلام السياسي العراقي مصطلحٌ إعلاميٌّ متداولٌ محلياً منذ فترة ليست بالقصيرة. ويُراد بهذا المصطلح الدلالةُ على القوى أو الأحزاب التي تصدّت للعمل السياسي العلني عقب سقوط النظام السابق ونالت ما نالته من سلطة ونفوذ تناسباً مع قدرة كل طرف على اغتنام الفرص واستيعاب التحديات.
وهذه القوى والأحزاب ليست منحصرةً في ما يعود منها إلى الخط الشيعي لكنْ عادةً ما يُنظر إليها كذلك من قبل شريحةٍ سكانيةٍ واسعةٍ، وعددٍ غير قليل من الكُتّاب والإعلاميين داخل العراق وخارجه ممن يُجمعون غالباً على تحميل (الإسلام السياسي) مغبّةَ الفواجع التي تعرَّض لها العراقيون بعد عام 2003م. فهل يحمل هذا التعبير شحنةً دلالية تؤهله بالفعل لكي يكون توصيفاً موضوعياً للحالة العراقية، وما هي تداعيات هذا المصطلح على مجمل الحالة الإسلامية التي أباح لنفسه هذا المصطلح الولوج في دهاليز استكناه جوهرها أو تصنيع تأويل خاص لها؟
الحقيقة أن المرجعية الأساسية لمصطلح الإسلام السياسي منتزعةٌ من (political Islam) الذي يصوّر الإسلام في المقام الأول على أنه أيدولوجية دينية متطرفة، كما أن هذا المصطلح يُراد به الدلالةُ أيضاً على الجماعات السياسية التي ترمي إلى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في بلدانها، وذلك باستعمال الأُطُرِ الديمقراطية أو من خلال انتهاج العنف المسلح. وقد أخذت وسائل الإعلام الغربية على عاتقها مهمة الترويج لهذا المصطلح الفتيّ بكثافة شديدة عقب أحداث 11 أيلول عام 2001 م، ثم تلقَّفته وسائل الإعلام العربية المعروفة تاريخياً باستيراد أو استنساخ كل ما هو غربيَ ليستقر لدينا بعد ذلك بوصفه مسلمةً لا تقبل النقاش.
الحقيقة أن طيفاً كبيراً من القوى والأحزاب السياسية العاملة حالياً في العراق غير مشمول بنطاق المفهوم السابق؛ لأنه مرتبط أساساً بالقوى والأحزاب السياسية العربية وغير العربية السنية والشيعية التي دعت إلى تطبيق الشريعة الاسلامية بوصفها نظاماً للحكم، ومع هذه الفرضية فإن مجمل القوى والأحزاب السياسية العراقية ممن يصطبغ - حالياً- بصبغة دينية إسلامية يُعدُّ خارجاً عن هذا المفهوم بحكم انصياع أفراده للعبة السياسية في هذا البلد، وما تضمنته من نظام سياسي، ودستور دائم لا يختلف في كثير من تفاصيله عمّا يجري العمل بمقتضاه في البلدان ذات التوجهات العلمانية الخالصة، وهذا الحكم شاملٌ حتى للقوى والأحزاب السياسية العراقية التي كانت قد دعت إلى تحكيم الشريعة في فترة معارضتها للنظام السابق ؛ إذ إنها تخلَّت واقعياً عن هذه الدعوة تزامناً مع حصولها على حصتها من المغانم والمكاسب وصيرورتها جزءاً من الحكومة...
ويشترك في التعميم السابق من جاء من تلك القوى والأحزاب بعد سقوط النظام السابق أو من كان موجوداً على الأرض قبل ذلك التأريخ، كما يستوي في ذلك كله من كان يتبنى الدعوة إلى إقامة نظام للحكم على غرار ولاية الفقيه الإيراني أو الأفغاني أو التركي...، فضلاً عن أن ما تسمى بقوى أو أحزاب الاسلام السياسي العراقية لم تُقَدِّم عملياً صورةً خاصةً تصلح لتمييزها تمييزا مستقلا عن القوى والأحزاب العلمانية في كثير من متعلقات الرؤى والبرامج سوى أن هذه القوى والأحزاب تعرَّضت بشكل منهجيّ إلى عمليات تسليط الضوء المستمرة الكاشفة عن عيوبها وإخفاقاتها من أجل إيصال رسالة تُفيد بعدم صلاحية الإسلام للحكم نظريةً وتطبيقاً، وقد استهدفت هذه الرسالة أولاً وقبل كل أحدٍ فئةَ الشباب، واستطاعت أن تحقق كثيراً من مراميها بشكل تدريجيّ، فمن يتابع طبيعة اتجاهات الرأي في أوساط الشباب العربي والعراقي بوجه خاص يلاحظ النجاح المدوي الذي حققته تلك الرسالة، ليس على صعيد تسقيط الفكر الإسلامي في المستوى السياسي فحسب ولكن -وهذه هي الطامّة الكبرى- على مستويات القانون والثقافة والتربية كذلك.
وعلى الرغم من ثقل الإحساس بوطأة ما تشير إليه وتوحي به النتيجة السابقة فإنها نتيجةٌ حتمية بملاحظة أنَّ الفريق السياسي العراقي المدّعي لتمثيل الإسلام كان قد حقّق أرقاماً قياسية في جميع مظاهر الفساد تقريباً مع الأسف الشديد.
نخلص من العرض المتقدم أنَّ مصطلح الإسلام السياسيّ العراقيّ يُعدُّ توصيفاً خاطئاً للحالة العراقية لكنَّه -شئنا أم أبينا- دخل بحكم الأمر الواقع في جملة المسلمات الشهيرة للقاموس السياسي العراقي المعاصر، ولهذا الأمر خطورته ليس على الاسلام بشقه السياسي فحسب وإنما على المستوى الاجتماعي وفي بُعدهِ المحليّ والعالميّ أيضاً لما ينطوي من انتقاص للإسلام دين الرحمة والعدل والانضباط.