الهدنة بين إسرائيل وحماس.. نص الاتفاق وتداعياته على مستقبل الصراع في غزة
د. احمد عدنان الميالي
2023-12-03 07:26
منذ انطلاق الحرب على غزة بعد عملية طوفان الاقصى، صرح الكيان الصهيوني والادارة الامريكية أكثر من مرة على عدم اجراء مفاوضات مع حماس، مع ذلك اضطرتا لإجراء مفاوضات من خلال التواصل مع قطر ومصر، واجراء مناقشات لإطلاق سراح رهائن المحتجزين منذ السابع من تشرين الاول الماضي.
اولا/ خلفيات الاتفاق
بدأت قطر تتحرك بالتفاوض من خلال تشكيل خلية أمريكية مشتركة عملت بسرّية تامة للتشاور مع اسرائيل وتحت الضغط الأمريكي، ابطأ بنيامين نتنياهو العملية البرية في قطاع غزة رغم انطلاقها، لكن دون توسيع لجبهات الاقتحام والمواجهة، وكان لدى حماس ترحيب غير معلن حول الدور القطري لإجراء هذه الهدنة من خلال استغلال ملف الرهائن.
وبعد ان تم اطلاق سراح اثنين من الأسرى الأمريكيين المحتجزين لدى حماس، زادت ثقة الادارة الامريكية بدور قطر ومساعيها، والحصول على ضمانات من حماس حول عدد الرهائن المفرج عنهم، وقائمة كاملة بأسماء الأسرى المشمولين باتفاق الهدنة الذي كشف عنه الرئيس الأميركي لنتنياهو وقد ابدى الاخير موافقته عليه.
وفي يوم ١٨ من شهر تشرين الثاني، عقد اجتماع آخر في الدوحة بين رئيس وكالة المخابرات المركزية الامريكية ورئيس الموساد الاسرائيلي لوضع التفاصيل اللوجستية وتسوية البنود، وتواصل بريت ماكغورك مع مدير جهاز الاستخبارات المصرية عباس كامل وتم الابلاغ على موافقة قيادات حماس في غزة على الاتفاق وتفاصيله.
ثانيا/ نص الاتفاق
تضمن الاتفاق المبرم بين الحكومة الإسرائيلية وحماس؛ هدنة قصيرة في قطاع غزة لمدة أربعة أيام على الأقل، للسماح بإطلاق سراح ٥٠ رهينة احتجزتهم حماس منذ هجومها المفاجئ على إسرائيل في السابع من تشرين الأول الماضي؛ وسيتم إضافة يوم واحد إلى وقف الأعمال العدائية مقابل كل ١٠ رهائن إضافيين يتم إطلاق سراحهم.
وفي المقابل، صرحت حماس إن إسرائيل ستطلق سراح ١٥٠ اسير فلسطيني، وتسمح بدخول المزيد من المساعدات إلى غزة وتوقف تحليق طائراتها الجوية الاستطلاعية فوق القطاع لمدة ست ساعات يومياً.
وفي حال استقرار الهدنة واتساع الثقة سيتم الافراج عن ٣٠٠ أسير فلسطيني مقابل ١٥٠ من الرهائن الاسرائيليين، إذا استمرت عملية التبادل بمعدل إسرائيلي واحد مقابل ثلاثة فلسطينيين، غالبيتهم متهمون بالعنف البسيط ومحتجزون إداريا ودون محاكمة لدى الكيان الصهيوني.
ثالثا/ تداعيات الاتفاق
لا يمكن التوقع ان هذا الاتفاق سيستمر، وسيكون من السهل توقفه والغاءه باعتباره مجرد اتفاق رمزي، نظراً لحجم الدمار الذي لحق بغزة ومدى قصر فترة توقف القتال. لكن الحقيقة أن الجانبين تمكنا من تحقيق هذه الصفقة لا تزال مهمة على عدة مستويات مختلفة وكالاتي:
١- المستوى الإنساني: إن إطلاق سراح ما لا يقل عن ٥٠ امرأة وطفل كرهائن وربما أكثر، فضلاً عن وقف الأعمال العدائية، وهو ما من شأنه أن يسمح بدخول المزيد من المساعدات التي تشتد الحاجة إليها إلى غزة، يعد أمراً انسانيا جديرا بالاعتبار والتأثير في مسارات الصراع والحرب الدائرة من ناحية الحفاظ على حياة السكان في غزة.
٢- المستوى السياسي: يعكس الاتفاق أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان ولازال عرضة للضغوط السياسية الداخلية والخارجية، من قبل عائلات الرهائن الإسرائيليين لدى حماس والضغط باتجاه التوصل إلى صفقة لإطلاق سراحهم، حتى لو كان ذلك يعني الموافقة على هدنة مؤقتة. كما يظهر الاتفاق أيضاً أن عملية صنع القرار الإسرائيلية ليست منيعة أمام ضغوط الحلفاء وخاصة الولايات المتحدة، التي لعبت دوراً مهماً في ادارة الحرب وتصعيدها من جهة، والضغط باتجاه التفاوض على الاتفاق والهدنة من جهة اخرى.
٣- المستوى العملي: إن قدرة حماس على الوفاء بشروط الاتفاق من خلال تأمين وإطلاق سراح الرهائن غير مضمونة لان الرهائن حسب المعلومات المتوفرة (ليسوا جميعهم في أيدي حماس حاليا)، كما ان حماس لا تستطيع ضمان عدم اطلاق الصواريخ واسكات الأسلحة ضد اسرائيل (التي ليست ايضا كلها في أيدي حماس) وهذا سيكون بمثابة خلل في قدرتها على استمرار التفاوض وتجييره لصالحها سياسيا وعسكريا، كما انه في حال عدم حصول ذلك؛ اي الوفاء بالالتزامات، او التصرف بطريقة مخالفة للأطراف الاخرى التي تطلق الصواريخ، او تحتجز جزء من الرهائن، سينعكس سلبا على سلامة القيادة والسيطرة والبنية التحتية اللوجستية لحماس في المنطقة، وخاصة في غزة التي تحولت إلى أنقاض إلى حد كبير.
٤- المستوى الرمزي: إن الجانبين كانا قادرين على إجراء المفاوضات والانخراط فيها وإنهاء المفاوضات من خلال وسطاء، على الرغم من احتفاظ كل منهما بأهداف وظروف استعادة مجال الحرب بأبعادها القصوى والقدرة على تدمير الآخر، يعد خطوة مهمة في سياق انهاء هذه الحرب رغم كلفها الباهظة على الطرفين، كما ان الهدنة والتفاوض اوضحت خلافاً لما اعتقده الكثيرون أن من المحال في ظل حجم التدمير والتصعيد أن يستطيع الجانبين التوصل إلى اتفاق.
ونتيجة لهذا فإن إمكانية التوصل إلى المزيد من الاتفاقيات في المستقبل أصبحت الآن مسألة إرادة سياسية تحركها قطر والادارة الامريكية من جهة، وقد تعززها او تعرقلها ايران وحزب الله من جهة اخرى.
رابعا/ مستقبل الاتفاق
بطبيعة الحال، فإن المتوقع ان يكون هذا الاتفاق قصير الأمد، وبعيد كل البعد عن وقف إطلاق النار طويل الأمد، اذ لم يتخلى أي من الطرفين عن أهدافه الحربية، من جهة ولازالا يخضعان للمؤثرات والقيود الخارجية من جهة اخرى، لكن مع ذلك فإن قدرة إسرائيل وحماس على التفاوض والموافقة على أي اتفاق تشكل خطوة ضرورية، وإن لم تكن كافية نحو التوصل إلى اتفاق طويل الأمد لإنهاء الحرب والبحث عن مسارات تفاوضية جديدة.
لكن الحقيقة ان اسرائيل والادارة الامريكية ومع تقدم القوات الإسرائيلية في عمق غزة جعلها في موقع يعمل على تعزيز اهداف هذه الحرب وهي: انهاء حماس من حكم غزة، لكن مع عدم اتساع هذه الحرب.
اذ ومع اعلان بدء تنفيذ الاتفاق يوم الجمعة الماضي ودخول الشاحنات واطلاق سراح متبادل للأسرى بين الطرفين، يطرح سؤال حول نهاية الحرب في قطاع غزة بعد الهدنة، اجابته تتمخض بأن رغم إيقاف جميع الأعمال العسكرية في غزة والسماح لمئات شاحنات المواد الغذائية بالدخول، الا ان الكيان الصهيوني شدد على أن إسرائيل لا تنوي إنهاء الصراع.
وهدف إسرائيل واضح انهاء حكم حماس من غزة، وتحديد من سيقود القطاع بعد الحرب، رغم انها تتجاهل أنها السبب الرئيسي للعنف والفوضى في المنطقة بسبب حصارها لغزة منذ سنوات طويلة.
من جانبها، تعتزم الولايات المتحدة أن ترى الضفة الغربية وقطاع غزة تحكمهما السلطة الفلسطينية في الضفة، والفرضية الأساسية للإدارة الامريكية الحالية هي عدم ترك حماس تسيطر على قطاع غزة ويجب إعادة توحيد غزة والضفة الغربية في ظل هيكل حكم واحد، وفي نهاية المطاف تحت سلطة فلسطينية جديدة، والعمل من أجل حل الدولتين، ورغم استبعاد تطبيق ذلك، لعدم استعداد الكيان الصهيوني على تنفيذه، ومثالية الطرح الامريكي، ورفض جزء كبير من الشعب الفلسطيني لهذا الحل، ووجود قيود تتعلق بالواقع الاقليمي المحيط بالصراع الاسرائيلي الفلسطيني، ما يؤشر ان الحرب قد تستمر وان توقفت مؤقتاً، والصراع بمجالاته الواسعة سيكون هو الحاضر، وستعود الامور للمربع الاول واسوأ من ذلك.