سقوط الموصل.. تمهيدات خفية و اتهامات علنية
عبد الأمير الركابي
2014-12-28 01:24
قضية سقوط مدينة الموصل ثاني اكبر مدن العراق في 10 حزيران الماضي بيد تنظيم "داعش"، بعد انسحاب القوات العسكرية والامنية المكلفة بحماية المدينة من دون خوض معارك عسكرية مع المسلحين المتشددين، لا يزال محط اهتمام كبير لدى العديد من الاوساط السياسية والعسكرية والاعلامية داخل وخارج العراق، خصوصا وان هذه القضية قد مكنت الجماعات الارهابية المسلحة من الاستحواذ على اجزاء واسعة من شمالي العراق وشمالي سوريا وهو ما يعتبره بعض الخبراء نصراً عسكرياً مهماً اسهم بتعزيز القدرات العسكرية والمادية لتنظيم" داعش" الإرهابي الذي سيطر على العديد من المنشآت الحيوية في الموصل، بالإضافة إلى المعدات العسكرية الهائلة التي غنمها.
وأسباب سقوط الموصل هذه المدينة المهمة لا تزال مجهولة وغامضة حتى اللحظة، وهو ما دفع مجلس النواب (البرلمان) العراقي في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي الى تشكيل لجنة برلمانية خاصة للتحقيق في أسباب وتداعيات سقوط مدينة الموصل في أيدي داعش، وقد اثير حول هذه القضية الكثير من الشكوك والاتهامات بين العديد من المسؤولين السياسيين والعسكريين، كان اخرها تصريحات الفريق الركن مهدي الغراوي قائد عمليات نينوى السابق، التي اتهم بها الفريق أول الركن علي غيدان قائد القوات البرية ووزير الدفاع العراقي السابق وكالة سعدون الدليمي و محافظ نينوى أثيل النجيفي وشخصيات عسكرية اخرى، بسقوط مدينة الموصل تحت سيطرة مسلحي تنظيم داعش.
وقال الغراوي، في مقابلة متلفزة، أن "الموصل سقطت خلال ساعة واحدة بيد مسلحي داعش، وأنهارت القوات المتواجدة هناك، بفعل مؤامرة حيكت من قبل قائد القوات البرية الفريق الأول علي غيدان، ووزير الدفاع السابق وكالة سعدون الدليمي". وأتهم الغراوي، وبحسب صوت العراق غيدان بالسفر إلى إحدى الدول، قبل يوم واحد من مجيئه إلى الموصل والتي دخلها مسلحو تنظيم "الدولة الإسلامية" داعش، في اليوم الثاني، في حين أمتنع عن كشف أسم تلك الدولة التي سافر إليها غيدان، إلا من خلال مجلس تحقيق.
وأضاف الغراوي، ان أول مؤامرة حكيت من قبل غيدان والدليمي، عندما صدر أمر تعيينه كقائد لعمليات نينوى من قبل القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي آنذاك، في 172013، لكن لم ينفذ أمر التعيين حتى 2132014، واصفاً ذلك بجزء من المؤامرة. كما إتهم الغراوي محافظ نينوى أثيل النجيفي، بتعبئة الجماهير ضد القوات الأمنية والجيش العراقي، وتصعيد وتر الطائفية في المدينة، مؤكداً أن أهالي الموصل كانوا ينادون قوات الأمن بـ "جيش المالكي"، و"الجيش الصفوي".
سجال الحروب الكلامية
من جانب اخر وبحسب ما جاء في صحيفة القدس العربي الصادرة يوم السبت 27/12/2014، فقد نفى الفريق أول علي غيدان، قائد القوات البرية العراقية السابق أن يكون قد "باع" مدينة الموصل، شمالي البلاد، لتنظيم "داعش"، مشيراً إلى أن من وجه له هذه التهمة "مطلوب للقضاء ومحال إلى محكمة عسكرية". وقال غيدان، إن المعلومات والاتهامات التي أعلنها الفريق الركن مهدي الغراوي القائد السابق لعمليات نينوى (إحدى تشكيلات الجيش العراقي) على احدى الفضائيات المحلية مؤخراً "غير صحيحة على الاطلاق".
وأضاف: "الغراوي مطلوب للقضاء ومحال إلى محكمة عسكرية بأمر من القائد العام للقوات المسلحة (السابق) نوري المالكي وهو شخص هارب من الجيش العراقي"، لم يبين السبب أو يقدم دليلاً على ما يقول. ويعّد هذا أول تصريح لغيدان منذ سقوط مدينة الموصل في 10يونيو/ حزيران الماضي بيد تنظيم "داعش"، حيث كان حينها مكلفا بأمر من المالكي بإدارة معركة نينوى مع قائد العمليات المشتركة السابق الفريق أول عبود قنبر. وفي أول ظهور له منذ سقوط مدينة الموصل، اتهم قائد عمليات نينوى السابق، الفريق مهدي الغراوي، غيدان بأنه المسؤول عن بيع مدينة الموصل لتنظيم "داعش".
وقال الغراوي، في لقاء على فضائية البغدادية، قائد القوات البرية السابق (علي غيدان) كان يزود المالكي بتقارير كاذبة عن وضع القطعات العسكرية في محافظة نينوى (مركزها الموصل)، كما قام بتحريك فرق عسكرية من محافظات الجنوب إلى محافظة الأنبار (غرب) رغم أن المعركة كانت في الموصل. ولفت قائد عمليات نينوى السابق إلى أن "عدد القوات الموجودة فعلا في الموصل قبل ثلاثة ايام من سقوطها لم يكن يتجاوز 7 الاف ضابط وجندي عراقي"، مشيراً إلى أن "محافظ نينوى أثيل النجيفي وقائد الشرطة المحلية اللواء خالد الحمداني متورطان أيضا بسقوط المدينة"، ولم يشر إلى وجه التورط.
واعتبر الفريق أول علي غيدان، قائد القوات البرية العراقية السابق، إن المعلومات التي أدلى بها الغراوي في اللقاء التلفزيوني هي "كشف لأسرار عسكرية وبالتالي ستؤثر سلبا على المؤسسة العسكرية"، مبينا أن "البرلمان العراقي شكل لجنة للتحقيق بسقوط الموصل وهي قامت بكثير من التحقيقات والبريء أو المقصر في الحادثة يقرره القضاء العراقي وليس التصريح بأسرار عسكرية لوسائل الاعلام". وأضاف: "ليس لدي ما أقوله بشأن سقوط الموصل في وسائل الاعلام، هناك لجنة تحقق والمعلومات لدى اللجنة". ولم يتسنّ التأكد مما ذكره قائد القوات البرية السابق من مصدر مستقل أو حكومي، كما لم يتسنّ الحصول على رد فوري من النجيفي والحمداني الذي اتهمهما الغراوي بالتورط في سقوط الموصل.
تهمة الخيانة العظمى
ومن جهة اخرى وبحسب بعض وسائل الاعلام المحلية، قال وزير الدفاع العراقي إن معظم القيادات العسكرية التي لها علاقة بسقوط الموصل قد احيلت على المحاكم وقسم من ضباطها سيحكمون غيابيا واخرون وجهت لهم تهمة الخيانة العظمى وعقوبتها تصل إلى الاعدام او الحكم المؤبد وهذا يشمل كثيرًا من القيادات موضحا ان جزءا منها قيد الاعتقال حاليا واخرى لم يتم القبض عليها بعد لهروبها خارج البلاد.
وأشار إلى أنّ البرلمان شكل لجنة للتحقيق في قضية سقوط الموصل كونها قضية كبيرة ومعقدة وكانت السبب الرئيس في انهيار القوات المسلحة.. مؤكدا انه سيتم التحقيق في القضية على جميع المستويات المدنية والعسكرية. واوضح انه على المستوى العسكري تم التحقيق من قبل وزارة الدفاع مع الكثير من القيادات العسكرية وقسم من ضباطها احيلوا على المحاكم وفق المادة 29 من قانون العقوبات العسكرية ووجهت لهم تهمة الخيانة العظمى وعقوبتها الاعدام او الحكم المؤبد.
وعن التغييرات التي اجريت مؤخرًا في قيادات عسكرية في وزارة الدفاع قال العبيدي ان "القرار كان مشتركا بين وزير الدفاع ورئاسة اركان الجيش والقائد العام للقوات المسلحة".. نافيا وجود أي ضغوط او تدخل من الجهات السياسية في هذا التغيير. وأضاف ان "قرار التغيير كان سريعا وكانت لدى الكتل والقيادات السياسية فكرة في اختيار معظم الضباط البدلاء والموافقة على هذا الاختيار". وعن إمكانية تحديد سقف زمني لتحرير مدينة الموصل اكتفى العبيدي بالقول "هذا امر خاضع لما يتوفر له من مستلزمات المعركة من عتاد وموارد بشرية وغيرها".
وحول مراعاة قرار تغيير القيادات العسكرية وتعيين آخرين بدلا منهم لقضية التوازن بين مكونات الشعب أكد وزير الدفاع ذلك بالقول إن "تشكيل القطعات العسكرية الجديدة تراعي هذه المسألة وخاصة في الفرقة 19 الجديدة التابعة للجيش العراقي التي ستتولى مهام تحرير مدينة الموصل". وأضاف ان "هذا التوازن انطبق ايضا على تغيير القادة العسكريين الاخير كما انه موجود في باقي التشكيلات على الرغم من اننا نعتمد المعايير الاساسية في التعيين وهي الكفاءة والنزاهة والشجاعة إضافة إلى الولاء للعراق لان القائد العسكري يجب ان يمتاز بهذه الصفات حتى يحقق النصر".
من أمنَ العقاب
في السياق ذاته أعلنت لجنة الامن والدفاع في البرلمان العراقي، والتي تحقق في اسباب سقوط مدينة الموصل ثاني اكبر المدن العراقية في قبضة تنظيم "الدولة الاسلامية" الذي يعرف باسم «داعش»، نيّتها استدعاء كبار المسؤولين في الحكومة السابقة، برئاسة نوري المالكي، وقادة قوات الأمن التي انسحبت من محافظة نينوى. واستجوبت اللجنة في السابع عشر من كانون الاول/ديسمبر معاون رئيس الأركان السابق عبود كنبر وقائد القوات البرية علي غيدان، وقائد الشرطة الاتحادية المقال اللواء محسن الكعبي.
وقال عضو اللجنة النائب عمار طعمة لـ «الحياة» إن «كنبر وغيدان والكعبي برّأوا ساحتهم وحمّلوا قائد عمليات نينوى الفريق الركن مهدي الغراوي، المسؤولية إذ كان قائد العمليات في المحافظة منذ فترة طويلة، وقالوا إنهم وصلوا إلى الموصل قبل سقوطها بثلاثة أيام فقط». وذكر أن «أحداثاً كثيرة رافقت احتلال داعش محافظة نينوى في 9 حزيران/يونيو الماضي، وما زلنا في بداية التحقيق الذي سيستغرق وقتاً أكثر من المتوقع، لأننا في صدد استدعاء الغراوي وقادة في فرق الجيش والشرطة الاتحادية لجمع أكثر ما يمكن من المعلومات».
وقال رئيس اللجنة حاكم الزاملي إنها «تعتزم استدعاء أكثر من 50 وزيراً ونائباً ومستشاراً ومديراً إلى التحقيق الذي سيشمل جميع المشتبه فيهم، من أصغر جندي إلى أعلى مسؤول في الدولة». وأكد «استدعاء محافظ نينوى أثيل النجيفي ووزير الدفاع السابق سعدون الدليمي ووكيل وزارة الداخلية السابق عدنان الأسدي، وقادة عسكريين»، منبهاً إلى أن «اللجنة تتعرض لضغوط سياسية من جهات».
لكن حتى الان لم تؤكد اللجنة عن امكانية استدعاء المالكي للتحقيق معه باعتباره كان يشغل القائد العام للقوات المسلحة عندما سقطت الموصل بيد داعش. وكان رئيس اقليم كردستان مسعود البرزاني قد اتهم اكثر من مرة المالكي بالمسؤولية عن سقوط الموصل وغيرها من المناطق غربي العراق. واصدر المكتب الاعلامي للبرزاني بيانا اكد فيه على ان البرزاني حذر المالكي من مخاطر نشوء داعش وتهديداته وتحركاته غربي العراق. بحسب بي بي سي.
ونفي المالكي تلقيه اي اتصال من البرزاني قبل هجوم داعش على الموصل لكن مكتب البرزاني اكد انه اتصل بالمالكي وعرض "مساعدة الاقليم للقوات المسلحة العراقية في عملية مشتركة للحيلولة دون تنامي وتقوية الارهابيين في المنطقة". ونقلت صحيفة الشرق الاوسط الصادرة في 24 ديسمبر عن سياسي عراقي مطلع على عمل اللجنة ان الاخيرة تخطط لاستدعاء المالكي والبرزاني.