أزمة الحزب الديموقراطي الأمريكي

وتداعياتها المحتملة على السلم والأمن الدوليين

د. عمار أحمد إسماعيل المكوطر

2023-08-08 05:15

يواجه الحزب الديموقراطي الأمريكي أزمات حادة متفاقمة على الصعيدين المحلي والدولي، وعجزه عن ايجاد مخارج وحلول لها تُعينه على الفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة في العام 2024، إذ انخفضت شعبية الرئيس بايدن والحزب الديموقراطي في معظم استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة، ولم يرغب (64%) من الأمريكيين في ترشح الرئيس بايدن لولاية جديدة في انتخابات عام 2024، وخسارة الحزب في انتخابات حكام الولايات كما في ولاية فرجينيا التي كانت تعد من الولايات المضمونة له، وفشل الحزب في السيطرة الفعلية على الكونغرس، إثر خسارته المزيد من المقاعد في انتخابات التجديد النصفي لعام 2022.

ان ما يواجه هذا الحزب محلياً هو عمق التصدعات في المجتمع الأمريكي، وتصاعد الانشقاقات السياسية بين الحزبين وزعيميهما (الرئيس الديمقراطي الحالي جوزيف بايدن والرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب)، وصل إلى حد التراشق وتوجيه التُهم وصولاً إلى إجراء المحاكمات، والطعن في الديمقراطية الأمريكية والسياسات الشعبوية. وقد تركزت الاتهامات على قضية الاحتفاظ بوثائق سرية، وإعاقة العدالة، والتصريحات الكاذبة وأحداث مقر الكونغرس الأميركي في 6 كانون الثاني، وتهم جنائية، ولا شك في ان بعض تلك الاتهامات ذات دوافع سياسية ترتبط بفعاليات الانتخابات القادمة في 2024.

أما على الصعيد الخارجي، فلم يفلح الحزب الديموقراطي في حل الأزمة الروسية الأوكرانية والتوصل إلى حل سلمي لها والتي تطورت إلى حالة الحرب، كما لم تتمكن أوكرانيا من هزيمة الاتحاد الروسي عسكرياً رغم كل ما قدمته إدارة الحزب من دعم سخي للدولة الأوكرانية مادياً وعسكرياً وإعلامياً وتحشيد ودعم غربي أوربي واسع وكبير.

وفي بيان وزير الخارجية أنتوني ج. بلينكن بتاريخ: 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2022 أكد على مواصلة الولايات المتحدة تقديم دعم بمساعدات عسكرية من الأسلحة والمعدات والذخائر من قوائم جرد وزارة الدفاع الأمريكية الى أوكرانيا منذ آب/ أغسطس 2021 بموجب تفويض من الرئيس. ووصل إجمالي المساعدات العسكرية الأمريكية إلى أوكرانيا وحتى تشرين الثاني/نوفمبر 2022 إلى حوالي (19.3) مليار دولار، منذ بدء ولاية هذه إدارة الرئيس بايدن وتجاوزت (42) مليار دولار حتى تموز 2023.

وفشلت الولايات المتحدة أيضاً في احتواء تمدد الاتحاد الروسي في أفريقيا أو هزيمتها واخراجها من سوريا، فضلاً عن اخفاقها في احتواء الصين والحد من تناميها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، بل على العكس من ذلك فقد امتد نفوذ الصين الى مناطق ودول وأقاليم كانت تعد مجالاً حيوياً خالصاً للولايات المتحدة.

أضف إلى ذلك عجزها عن اقناع دول عربية رئيسية كالمملكة العربية السعودية في التطبيع الفعلي مع الكيان الصهيوني، مع فشلها المؤكد في الحفاظ على توازن الردع بين هذا الكيان ودول الطوق المحيطة به وقوى المقاومة فيها، إذ تنامت تلك القوى الى الحد الذي بات فيه الكيان قاصراً عن شن أي حرب كبرى أو اجتياح عسكري كما كان يفعل من قبل عند تعرضه لأي تهديد متصور أو ما يعتقد من أنه يُهدد أمنه أو يخلُّ في ميزان الردع ويحد من تفوقه العسكري.

كل هذا وسواه قد يدفع بإدارة الحزب الديموقراطي إلى شن حرب أو خلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في مناطق معينة من العالم، خاصة في أقاليم الدول التي تعاني من هشاشة سياسية، وعدم استقرار في ساحتها الداخلية، ومن بين هذه الدول المحتملة على الأرجح هي: سوريا، العراق، لبنان، فهذه الدول الهشّة ذات الخواصر الرخوة أمنياً وعسكرياً وسياسياً واقتصادياً قد تكون الضحية للتغطية والتمويه على الفشل الأمريكي وأداءه السياسي، كما يعمل على اختلاق أو افتعال هكذا حروب أو أزمات في هذه الدول إلى تضييق الخناق على النظام الإيراني الذي تمثل هذه الدول الى حد كبير، متنفسه السياسي والاقتصادي والأمني من وجهة نظر الحكومة الأمريكية الحالية، بالأخص بعد فشل المفاوضات في قضية الملف النووي الإيراني، ودفعاً لأي مجازفة أو تهور عسكري يرتكبه الكيان الصهيوني ضد إيران مما يجعل من الولايات المتحدة الأمريكية وجهاً لوجه في قبالة إيران، وتدخل حرباً ليس بوسعها حسمها أو تحمل أكلافها والتكهن بنهايتها.

وفقاً لهذه القراءة والمشاهد المحتملة فيها، يتعين على حكومات هذه الدول أن تعمل بجد لتأمين نفسها مبكراً، في ظل هذا الوضع الأمريكي والدولي المرتبك والمصدر للأزمات الدولية، وتصدي قيادات وشخصيات متطرفة تبحث عن وجودها ومصالحها الذاتية على حساب أي دولة وشعب وأمة، وعلى حساب أية مبادئ أو قيم وأخلاق.

ويتعين على الحكومة العراقية أن تتبع سياسيات احتوائية متوازنة محلياً وإقليمياً ودولياً، وتفي بوعودها فيما يخص تأمين الخدمات وتقوية الدولة، وتنفذ برامجها التنموية والأمنية التي وعدت الشعب بها، لتتقي من خلالها تعرض البلد إلى حروب أو أزمات وصراعات طاحنة تهدد السلم الأهلي والمجتمع والدولة، فالمشروع القادم ليس لأجل الانهاك والفوضى الصورية، إنما للتدمير والتقسيم وتغيير الأنظمة وقلب الأوضاع رأساً على عقب.

* متخصص في العلاقات الدولية والدبلوماسية

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا