السعودية في اليمن.. إرهاب الدولة ووهم الانتصار!

مصطفى قطبي

2015-09-19 03:29

على مدى نصف عام على الأزمة اليمنية تجمع لدى أبناء الشعب اليمني الكثير من المعطيات والأدلة التي تثبت تورط الربع الخالي وأعراب الخليج ودول الاستعمار الغربي في أوروبا وأميركا بسفك دمائهم وتدمير بلدهم والسعي للقضاء على الدولة اليمنية، فالمال والسلاح والسياسة والإعلام وكذلك المرتزقة من كل الأصناف والأنواع من سياسيين ورجال دين ومحللين وإعلاميين ومنجمين ومشعوذين مسخّر وموضوع في خدمة هدف واحد هو إسقاط اليمن واحتلاله وإضعافه وتقسيمه.

لم يكن الكثيرون منا ينتظرون تطورات المشهد العدواني الذي يمارسه نظام آل سعود وحلفائه بكل حقد وإجرام وعنصرية ضد شعبنا الصابر والمقاوم في اليمن ليكتشفوا حجم الزيف والتضليل والعري الأخلاقي والازدواجية التي ينطوي عليها المشهد الدولي والعربي في تعامله مع أحداث المنطقة ومشكلاتها.

نصف عام على بدء الصراع في اليمن والفوضى تتصاعد مع لهيب نيرانها في ظل ظروف مهدت لها حرب ظالمة لم يكن للمدنيين فيها أي ذنب سوى أنهم يمنيون، وفي الوقت نفسه يسعى تنظيم القاعدة الإرهابي في شبه الجزيرة العربية ليجد مكاناً له في ظل هذا الصراع المتزايد ويحاول تنظيم داعش أن يحذو حذو سلفه من أجل بسط نفوذه في المنطقة.

ترجم التحالف الخليجي الذي تقوده السعودية، فشله في تحقيق أهداف عدوانه الوحشي على اليمن بارتكاب المزيد من المجازر المروعة بحق المدنيين رافعاً غلته من الضحايا الأبرياء إلى أكثر من 4500 مدني، وأن ما يزيد على 23000 أصيبوا بجروح بالغة وفقاً لتقرير صدر حديثاً للأمم المتحدة، ومع ذلك يميل الكثير من المحللين السياسيين إلى عدم تصديق الأرقام الواردة في التقارير، ويرون أنها مضللة وغالباً ما تقلل من عدد الضحايا المدنيين، فمنذ بداية الحرب الدائرة بين التحالف الذي تدعمه الولايات المتحدة يموت ما يعادل 30 شخصاً في اليوم الواحد.

وفي الوقت نفسه يتزايد نمو تنظيم القاعدة الإرهابي ويسيطر على المزيد من الأراضي من جهة، بينما يدمر التحالف السعودي المدعوم من الولايات المتحدة البنية التحتية ويغرق الملايين من اليمنيين في فقر مدقع.

والسؤال الذي يتبادر للذهن: ماذا يقرأ كل عربي شريف وحر في هذا العالم، في كلِّ هذا الموت والدَّمار الذي نشرته آلة الحرب السعودية وتحالفها في اليمن؟ كيف يفسر ويفسِّرون هذا الاستهداف الحربي السعودي ـ الأمريكي ـ الخليجي، للمدنيين في اليمن، وللأطفال منهم على وجه الخصوص، وللبيوت والمستشفيات والمنشآت المدنية الحيوية؟

الإجابة من كلمة واحدة لا غير هي الفشل.

إنّ الفشل السعودي وحلفائه في هذه الحرب أَثقَل من أنْ يَقوى ظهر السعودي السياسي والعسكري و(الاستراتيجي) على حَملِه؛ فجنّ جنون نظام آل سعود، وراح العدوان يَخبط خَبط عَشواءَ، وكأنه لم يَدْخل الحرب إلاَّ لارتكاب الجرائم في حقِّ المدنيين العُزَّل، وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها.

وكان هذا الفشل كالوَهم، مُعْمِياً للبصر والبصيرة؛ فنظام آل سعود استبدَّ به الشعور بالفشل حتى توهَّمَ أنَّ الحجم الهائل للكارثة الإنسانية التي تَسبّبت بها آلته الحربية في اليمن، والتي تصلح تعريفاً لـجرائم الحرب، ولـالجرائم في حقِّ الإنسانية، ولـالانتهاك السافِر للقانون الدولي، يمكن أنْ يكون كالضَّباب الكثيف، يَحْجِب رؤية فشل حربها في اليمن؛ مع أنَّ هذه الكارثة الإنسانية، التي عَجِزَت حتى الحروب الإسرائيلية عن الإتيان بمثلها، تُضاف، إذا ما نظرنا إليها بـعَيْن السياسة، إلى جُملَة الخسائر التي تكبَّدتها السعودية في حربها على اليمن.

نظام آل سعود أراد لهذه الكارثة الإنسانية أنْ تنال (ولو قليلا) من الصلابة السياسية للشعب اليمني، فَتُوْقِف القتال على نحوٍ يسمح له بـتزييف نصر تزييفاً متقَناً يَصعب على السعوديين وحلفائها تمييزه من النصْر الحقيقي؛ لكنَّ الجيش اليمني واللجان الشعبية، لم تُعْطِه إلاَّ عَكس ما أراد، رافِضَة معاملته كما يُعَامَل عزيز قَوْمٍ قد ذلَّ؛ فماذا يفعَل؟

هل يأمر جيشه وحلفائه بالعودة إلى حيث كان قبل هذه الحرب، مُوقِفاً القتال وإطلاق النار من جانب واحد؟

كلاّ؛ فهو ما عاد يملك حتى هذا الخيار؛ فالجيش اليمني واللجان الشعبية يمكن أنْ تستمر في إطلاق النار والصواريخ، داعيةً الجيش السعودي وحلفائه إلى أنْ يحاوِل مرَّة أخرى القضاء على قوَّتها الصاروخية الموغلة في الأراضي السعودية.

في المحصلة إن ما تقوم به السعودية حالياً من عدوان على الشعب اليمني، وما ستقوم به خلال الأيام المقبلة، والتي وبحسب المؤشرات على الأرض ستكون ساخنة جداً، لأن العدوان مؤامرة على اليمن، وهي عملية مدبرة وجاهزة ومخطط لها سلفاً، وبالتنسيق مع الحليف الأميركي الذي أعطى بدوره الضوء الأخضر لهكذا عملية وفي هذا التوقيت تحديداً، الذي يتسم بالفوضى العابرة للحدود التي تستوجب من الأمريكي خلط الأوراق وإعادة ترتيب المواقع والأهداف والأولويات على الأرض وفي الميدان التي تفرض على الأخير إشعال جبهات جديدة عند الضرورة.

غير أن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم على الساحة السياسية... هل باستطاعة السعودية وحلفائها والولايات المتحدة العودة إلى الوراء بعد هذه الحرب العدوانية على الشعب اليمني الذي فاجئ جيشه ولجانه الشعبية السعودية...؟

صواريخ الجيش اليمني طالت عدة مدن سعودية جنوبية... بالتأكيد الأيام القليلة القادمة ستكون كفيلة بالرد على هكذا سؤال بعد أن لاحت في الأفق معادلات جديدة لطبيعة النظام الدولي الجديد الذي انتهى فيه عصر الأحادية القطبية الذي تتسيده الولايات المتحدة والذي تشكلت ركائزه وقواعده على أنقاض هزيمة المشروع الصهيوني في المنطقة.

ما يحدث في اليمن ضرب من الجنون الإنساني، ونحن الكتاب لا نملك إلا أن نطلق عبارات الأسى، لأننا لا نملك سواها في موقف كهذا الموقف، وفي أزمة كأزمة اليمن، وأمام هذه الكارثة الشاملة القاصمة فهي تعبر عما نشعر به من حزن وكبت وضعف تصل مجتمعة حد الجنون، ومن أجل أن نتجنب هذا الجنون نكرر على أسماع القراء (عبارات الأسى الأعظم والحزن الأعمق) وإن كان ذلك لا يفيدهم شيئاً، فهل أفادت التحليلات الرصينة والأفكار القيمة والانتقادات اللاذعة العرب في شيء...؟!

نعلم تمام العلم بأن ما يحدث في اليمن، ما هو إلا انعكاس لضعف الأمة وانقسامها وتشتتها، وبأن إرادة هذه الأمة وإصلاحها وإيمانها بوحدة موقفها والتنسيق فيما بينها والعودة إلى التاريخ لاستلهام الدروس وقراءة الحاضر بعيون الماضي فيه خلاصها من أزماتها ومن كوارثها، وهذه كلها بيد الساسة وأنظمة الحكم، ففي يدهم ملفات الأمة وبيدهم سلطة القرار وهم فيما بينهم منقسمون مختلفون، وهي أي الأنظمة العربية في المقابل فقدت المصداقية وأزمة الثقة تتسع بينها وبين شعوبها، والعلاقة بين المجتمعات والساسة ينبغي أن تبنى على التكامل والرؤى المشتركة والتنسيق في المواقف وردة فعل الحكومات يفترض أن تعكس إرادة الشعوب، وليست العلاقة علاقة تضاد وانعدام في الثقة وهوة في المواقف كما يحدث لدينا في العالم العربي.

ولا بد لقانون الحياة والتاريخ أن يطبق على السعودية فـ (الظلم لن يدوم والسعودية سوف تحاسب على أفعالها عاجلا أم آجلا...). فـ السعودية اليوم تعتلي الصهوة الإسرائيلية الغضة، تمارس عليها ما تريد وتشتهي، فيما أهالي اليمن يدفعون الثمن غالياً... لذا لابد من موقف عربي ودولي حازم يلجم الجموح السعودي، وإلا ستكون الأوضاع مرشحة للمزيد من التصعيد.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا