تظاهراتٌ واحدةٌ ومعاييرُ متعددة
سالم مشكور
2022-12-31 07:02
تعاطف كبير يبديه ناشطون ومدونون عراقيون مع الأردن في ما يشهده من إضرابات واحتجاجات شعبية، ودعاء بأن يحل الأمن والاستقرار في هذا البلد. كلُّ عاقل ومنصف سينتابه هذا القلق على أمن بلد يجاورنا وله في أراضينا امتدادات عشائرية وسياسية، لكن تعاطف البعض هذا يتعطل عندما يشهد وسط العراق وجنوبه أعمالَ شغب وتدميراً وحرقا للمؤسسات، وتعطيلا للدوام. بل تنهال الشتائم والاتهامات على من يعترض على أعمال الشغب. لا يتعاطف هؤلاء عندما يتم حرق شرطي مسكين في الناصرية، بالضبط كما حرقت داعش الطيار الأردني معاذ الكساسبة، لكنهم لا يخفون تعاطفهم مع الضابط الأردني الذي قتله المتظاهرون، وهو يستحق التعاطف. المشكلة في ازدواجية المعايير في النظرة إلى الأحداث. التظاهرات المطلبية الملتزمة بالقانون حق مشروع لكل البشر، سواء كانوا في العراق أو الأردن أو ايران وغيرها، والتخريب والقتل مرفوض، أينما كان. هكذا يكون معيار التعامل مع الاحداث إنسانيّاً بعيدا عن تأثيرات الولاء السياسي والعلاقات المصلحية.
الانقسام حول التظاهرات بدأ مع التظاهرات المطلبية التي شهدتها دول عربية منذ العام ٢٠١١، والتي أسبغ عليها الإعلام الأميركي اسم "الربيع العربي". كلها كانت في البداية محقة ونابعة من مطالب وحاجات حقيقية وأساسية. لم يختلف اثنان على ذلك، لكن الانقسام بدأ عندما أخذت هذه الانتفاضات منحى آخر. بدأ البعض يحذّر من حرفها عن منهجها، وتحولها إلى أدوات يستخدمها الاخرون في حرق هذه البلدان، بينما بقي الصنف الأول يصرّ على وصفها بالثورة حتى بعد أن تحولت إلى مجموعات قتل وتخريب وتدمير إثر دخول أجهزة دول كبرى وأخرى إقليمية على خط دعم وتمويل هذه المجموعات.
ينطبق الكلام ذاته على ما جرى من تظاهرات، بدأت بالمنطقة الغربية من العراق وانتهت بدخول داعش، ثم اندلعت في بغداد ومدن الوسط والجنوب. بدأت حركة مطلبية احتجاجية قبل أن تخترقها مجموعات تخريب وقتل حرفتها عن مسارها، بتحريك من أجهزة إقليمية وحتى محلية. ربما ستكشف الأيام أن كثيراً من المتظاهرين قتلوا على يد عناصر هذه المجموعات، بما فيهم القنّاصون في بدايتها.
الاحتجاجات الحالية في الأردن ليست جديدة، فالأردن يشهد مثيلها كل عامين تقريباً، والمحرك هو ذاته دائما: رفع أسعار الوقود أو الخبز أو الضرائب، وهو ما ينعكس مباشرة على حياة غالبية الأردنيين. وبموازاة الأسباب السالفة الذكر، يجري الحديث عن الفساد واستحواذ قلة قليلة على مقدرات بلادهم التي هي شحيحة الموارد من الأساس. هذا هو حال اغلب دول المنطقة. منذ العام ١٩٨٩ والأردن يشهد تظاهرات احتجاجية كل عامين أو ثلاثة، تنتهي في كل مرة بتغيير الحكومة. ما يميزها عن احتجاجات باقي دول المنطقة أن سقف مطالبها هو اسقاط الحكومة، وليس النظام. حالياً بدأ البعض يطالب بإسقاط النظام وهو مطلب لا يلقى تأييدا كبيراً، خصوصا ممن يتخوفون من أن يصيب الأردن ما أصاب دولاً مثل ليبيا وسوريا.
هي احتجاجات مطلبية تتطلب معالجة حقيقية، وإذا استمرت ستوفر أرضا خصبة لاستثمارها من قبل دول أخرى. بالضبط كما حدث في دول مجاورة.