حقوق أكاديمية مهدورة
علي حسين عبيد
2022-11-23 05:59
من الأمور المسلَّم بها أن الجميع ينظر إلى المؤسسة التعليمية أو العلمية بأنها نموذج جيد لتقدّم البلاد، وأن أي تلكّؤ يعتري هذا النموذج ينعكس على الواقع بصورة رديئة، والتعليم بشقيه الرسمي والأهلي يحتل أهمية كبيرة لتطور الأمم والدول والشعوب، كونه يرفد العقول بالعلوم والأفكار والتجارب الجديرة بالاحترام، ولكن يجب أن يكون النموذج ملتزما ومطبِّقا للقانون وحافظا للحقوق حتى ينظر إليه الآخرون على أنه نموذج يستحق أن يكون قدوة لهم في الالتزام والاحترام والقيم الجيدة الأخرى.
ومن حسن الحظ أن العراق الجديد، يتحصَّل على حضور جيد للتعليم الأهلي في القطاع التدريسي، ومشاركته للقطاع الحكومي في استقبال الطلبة في جميع المراحل، فهناك مدارس ابتدائية أهلية، وثانويات وإعداديات أهلية، وتزايد عدد الجامعات الأهلية بشكل لافت، وليس هنالك تعارض أو تناقض بين القطاعين الأهلي والحكومي من حيث المبدأ، فكلاهما يهدف إلى تعليم الطلاب ومنحهم الشهادات العلمية التي ترتقي بمستوياتهم وتنمّي آفاق أحلامهم.
مع مرور السنوات بدأت تظهر عيوب في التدريس الأهلي، والحقيقة هي عيوب كثيرة، وأخطرها تلك التي أضعفت المستويات العلمية لطلبة العراق، وهذا يتعارض مع الهدف الجيد الذي تأسست من أجله المدارس والجامعات الأهلية، وحين تتحول إلى عبء على القطاع التعليمي فلابد من توضيح المشكلات وأسبابها ومعالجاتها.
قوانين لا يُعمَل بها
المشكلات والأخطاء كثيرة لا يسعها مقال رأي قصير، لذلك سوف أتناول هنا قضية حقوق التدريسيين (الأكاديميين) في الجامعات الأهلية، ومن الذي يهدر هذه الحقوق، وكيف يمكن حماية هذه الشريحة من (جشع) أصحاب الجامعات الأهلية الذين يدخلون هذا القطاع الحي بصفة (مستثمرين)، يهدفون إلى دعم الوجه الجديد للعراق، ويساهمون من خلال أموالهم برفع المستويات العلمية للعقول العراقية بشكل عام.
قضية حقوق الأكاديميين في الجامعات الأهلية، أصبحت واضحة للعيان، فليس هناك من يحمي هؤلاء التدريسيين، لا وزارة التعليم ولا غيرها، ويبدو أن المستثمرين في هذا القطاع تمكنوا من أن يتعاملوا مع الأساتذة الأكاديميين كما يرغبون، وبما يصبّ في مصالح المستثمرين ويحقق لهم هيمنة تامة، وأرباحا كبيرة، لدرجة أن التدريسي الأكاديمي بات خاضعا لـ (مزاج) مالك الجامعة أو الكلية الأهلية، ويستجيب مرغما لشروطه وأوامره التي قد تتعارض مع قوانين وازرة التعليم.
ولكي ندعم ما ذهبنا إليه في أعلاه نأتي بالمثال التالي من دون مسميات، هناك دكتور تدريسي في إحدى المواد العلمية، أجرى عقدا مع إحدى الجامعات الأهلية، وباشر بعمله التدريسي لخمس سنوات متواصلة، سجل فيها حضورا متميزا، وأدى واجبه العلمي بصورة جيدة كما يشهد طلابه، كذلك أسهم في نشاطات أدبية وفنية وعلمية مهمة كان له دورا في نجاحها، لكن هذا التدريسي الأكاديمي تم إنهاء خدماته بشكل مفاجئ وفوري من قبل مالك الجامعة أو الكلية الأهلية، وتم تبليغ الدكتور التدريسي بإنهاء خدماته مع بداية العام الدراسي الجيد دونما سابق إنذار.
تعسّف بعض المستثمرين
تمَّ رمي هذا الأكاديمي في الشارع في (غمضة عين)، من دون أن يتم تنبيهه بهذا الإجراء الفوري المتعسف، حتى يبحث له عن عمل تدريسي في جامعة أخرى قبل إنهاء الخدمات، صاحب الكلية المستثمر، لم يفكر بعائلة الدكتور المبعَد، ولم يهتم بخدماته التي قدمها للكلية في السنوات الخمس التي شغل فيها منصب أستاذ تدريسي درّس وخرّج المئات من الطلبة.
لم يتم إنذار التدريسي قبل إنهاء خدماته، لم يوجَّه له تقصير محدَّد، ولم يُشكَّل ضده مجلس تحقيقي يوضح أسباب إقصائه بهذه الطريقة، ومالك الكلية لا يعبأ بالحقوق التي تحمي حياة وعائلة هذا التدريسي الأكاديمي، ولا يخشى أية جهة يمكن أن تحمي حقوق هذا الأكاديمي، فحتى لو كان هناك قانون وتشريعات تحمي هذه الحقوق من عسف (المستثمر)، إلا أنها غير مطبَّقة بالطريقة الحازمة التي تضمن حقوق الأطراف المتعاقدة في هذا القطاع الحيوي.
هذه واحدة من المشكلات الكثيرة في القطاع التعليمي الأهلي، والتي سنسعى لتناولها وبحثها في مقالات قادمة، هدفها التنبيه والتصحيح ليس إلا.
في نهاية هذه الكلمة لابد أن نؤكد على أن ملاحظة الظواهر غير الصحيحة والإفصاح عنها، ليس الهدف منها تأليب الناس على من يرتكب ظاهرة ليست صحيحة، وإنما الهدف هو الكفّ عن القيام بالأعمال والخطوات والاجراءات التي تتعدى على حقوق الناس، ولابد أن نهتم جميعا بحقوق بعضنا البعض بشكل متبادَل، وإذا كان الإنسان ميّالا إلى مراعاة مصالحه المادية وسواها، على حساب الآخرين، سواءً كان فردا أو جماعة، فإن القانون يجب أن يأخذ دوره في حماية حقوق الجميع بلا استثناء.