سبعون عاما على القاء القنبلة النووية على هيروشيما
علي الأسدي
2015-08-17 06:13
في السادس من هذا الشهر آبأغسطس من عام 1945 وفي الساعة الثامنة والربع بالتوقيت المحلي القت الطائرة الأمريكية القاذفة من طراز US B-29 بقيادة الكولونيل بول تيبيت من علو بلغ حوالي ألفين قدم القنبلة النووية الأولى في تاريخ الحروب على المدينة اليابانية هيروشيما. لقد قتل على الفور وخلال دقائق 130 ألفا من سكانها البالغ عددهم 350 ألف نسمة. وبعد ثلاثة أيام من ذلك الفعل المروع في التاسع من الشهر نفسه قام الطيار الميجر جارلس سويني بالقاء القنبلة النووية الثانية على مدينة ناكزاكي فقتلت ما بين 60 - 70 ألفا من سكانها ولم يكن ذلك العدد من القتلى إلا جزءا يسيرا من المجزرة، فقد مات عشرات الآلاف من الناس بعد ذلك متأثرين بالإشعاع النووي الذي طال مناطق شاسعة حول المدينتين المستباحتين. وينقل شهود عيان من العلماء والصحفيين الذين زاروا المدينتين ان مشهد الجثث المحترقة قد غطى شوارع وأزقة المدينتين حيث كان الكثير منهم قد مات حرقا أو نتيجة نزف الدماء التي كانت تدفقت من الأنف والفم والأحشاء الداخلية نتيجة التسمم بالإشعاعات النووية والغازات ودخان الحرائق وأنقاض المباني المنهارة التي أحدثها الانفجار الرهيب.
القاء القنبلتين النوويتين لم يكن له ما يبرره عسكريا فالحرب العالمية الثانية قد انتهت باستسلام ألمانيا النازية للجيش السوفييتي في برلين وللحلفاء في عواصم أخرى. الرئيس روزفلت ونائبه هاري ترومان كانوا على علم بمحاولات اليابان للاستسلام بشرط واحد هو الابقاء على موقع الامبراطور الياباني هيرو هيتو لكونه رمزا روحيا للشعب الياباني، لكن اليابانيين لم يتلقوا استجابة لذلك. رغبة اليابان للاستسلام كانت تتم عبر السوفييت خلال سفيرهم في موسكو منذ عام 1944 وحتى قبل ذلك التاريخ وكان الأمريكيون على علم بتفاصيل تلك المحاولات لاكتشافهم الشفرة التي كانت تنقل عبرها المراسلات الدبلوماسية والعسكرية بين المسئولين اليابانيين وسفاراتهم في الخارج حتى قبل الهجوم على Pearl Harbor. وفي 1371945 جدد السفير الياباني في موسكو طلب حكومته للاستسلام عبر السوفييت لكن الأمريكيين رفضوا العرض أيضا.
ويثار هنا سؤالان، الأول لماذا رفضت الولايات المتحدة استسلام اليابان بشرط واحد وهو الابقاء على موقع الامبراطور وهي التي أبقته من ذاتها بعد القاء القنبلة النووية على مدينة ناكزاكي في 1581945..؟ والثاني، لماذا ألقيت القنبلتين في حين كان النصر قد تحقق في المحيط الباسفيكي.؟ -*
1- ان الولايات المتحدة استثمرت مبالغ طائلة لصنع ثلاثة قنابل نووية بكلفة بليوني دولار بدءا من عام 1940 وبناء عليه كانت حاجتها ماسة للحصول على نتائج تلك الجهود.
2- رغبة الثأر، فهذه كانت شاغل العسكريين والسياسيين من اليابان لمهاجمتهم Pearl Harbor فالتسامح لم يكن من صفات السياسيين والعسكريين ورجال الكنيسة المسيحية الأمريكيين.
3- “use it or lose it” استخدمها أو اخسرها. الرغبة الداخلية لدى العلماء والتقنيين الذين أنفقوا الكثير من الجهد والوقت كانوا بانتظار خلاصة انجازهم، وللسياسيين والعسكريين الرغبة لمعرفة رد الفعل الذي سيحدثه السلاح الجديد الذي يعلقون عليه آمالا عظمى يمنحهم السبق والمقدرة على فرض ارادتهم على العالم. القنبلة النووية على هيروشيما استخدم في صنعها اليورانيوم، أما القنبلة التي اسقطت على ناكزاكي فقد استخدم في صنعها البلوتونيوم. لهذا كانوا شغوفين لمعرفة الآثار التي تتركها كل من القنبلتين على الضحايا.
4- قرار القاء القنبلة النووية ضد اليابان قد اتخذ في بداية شهر أوغسطس – آب 1945 لذا فقبول تعهد اليابان بالاستسلام لم يكن خيارا، لأن قرار القاء القنبلة قد صدر ولا تراجع عنه.
5- الولايات المتحدة لم ترغب أن ترى اليابان تعلن استسلامها للسوفييت فبعد استسلام ألمانيا على يد الجيش الأحمر السوفييتي وبالفعل كانت الجيوش السوفييتية تحرز تقدما في منشوريا. فالأمريكيون أرادوا بتفجير قنبلتيهم النوويتين على اليابان توجيه رسالة الى السوفييت بأن ميزان القوى ليس في صالحهم.
قبل بدء الحرب العالمية الثانية كان عالم الفيزياء البرت اينشتاين وكثير غيره من العلماء الذين لجأوا الى الولايات المتحدة هربا من النازية والفاشية في بلدانهم حذروا الأمريكيين من أن النازيين الألمان يجرون أبحاثا لإنتاج السلاح النووي. وقد بذل الأمريكيون جهودا مكثفة وواسعة بدءا من عام 1940 لتنفيذ خطتهم خلال ما سمي حينها "Manhattan Project " أضخم مشروع للأبحاث في مجال صناعة السلاح النووي ساهم فيه 13 مختبرا جامعيا بمشاركة أبرز مائة ألف من العلماء الذين من بينهم حملة جوائز نوبل. لقد عمل العلماء في المشروع الأكثر سرية في التاريخ والذي ساهم في بناء منشآته السرية المحصنة فريق عسكري في عزلة تامة وفي مناطق مختلفة في العالم بقيادة عالم الفيزياء جوليوس أوبينهايمر. وكان روزفلت قبل وفاته بوقت قصير قد اجتمع بجرجيل سرا في هايد بارك في نيويورك واتفقا على ابقاء الجهود لتطوير السلاح النووي سرية عن العالم.
وفي تموزيوليوعام 1945 نجح الأمريكيون بإجراء تجربة نووية في صحراء نيو مكسيكو وقد اعلم الرئيس هاري ترومان بالنبأ اثناء تواجده في بوتسدام لحضور مؤتمر قمة بينه وبين جيرجيل رئيس وزراء بريطانيا والرئيس السوفييتي جوزيف ستالين لمناقشة نتائج الحرب العالمية الثانية وبعد أربعة أيام من ذلك المؤتمر ألقيت القنبلة الاولى على هيروشيما. كان وزن القنبلة خمسة اطنان بقوة تدميرية تعادل خمسة عشر – عشرين ألف طن من مادة T N T شديدة الانفجار. وكان عدد من قادة الجيش من أمثال دوايت أيزنهاور وماك أرثر قد عبروا عن آرائهم للرئيس هاري ترومان قائلين بان غزو اليابان بالأسلحة التقليدية سيكلف أمريكا حوالي المليون جندي أمريكي وان استخدام السلاح النووي سيجنب ذلك. وقد أبدى وزير الخارجية الامريكي حينها جيمس بيرنز رأيا مفاده ان التدمير الذي سيحدثه التفجير النووي سينهي الحرب ويضع أمريكا في موقع أقوى قوة في عالم ما بعد الحرب. وبالفعل وبعد يومين من القاء القنبلة على ناكزاكي واسمها الرمزي " الرجل السمين " تقديرا لرئيس الوزراء البريطاني جيرجيل ألقى الامبراطور هيرو هيتو كلمة عبر الراديو عارضا استسلام بلاده دون قيد أو شرط. وفي الثاني من سبتمبر من نفس العام وقع محضر استسلام اليابان رسميا على متن المدمرة الأمريكية Missouri Battleship USS الراسية في خليج طوكيو. -**
البعض من المؤرخين ومسئولين أمريكيين رأوا أنه لو جرى تعديل شروط استسلام اليابان الذي عرضته الولايات المتحدة لأمكن تجنب فقدان عشرات آلاف اليابانيين والأمريكيين. وبحسب مذكرات المؤرخ هنري سيمبسون ان التاريخ ربما سيثبت بأن شرط استسلام امبراطور اليونان هيرو هيتو الذي ألح عليه الأمريكيون قد أطال أمد الحرب. بينما يرى آخرون ان انهاء الحرب كان ممكنا لو دعي الاتحاد السوفييتي للمشاركة بثقله في المفاوضات وهو أمر لم يقدم عليه الأمريكيون ولو تم ذلك التدخل لامكن تحاشي استخدام السلاح النووي.***
بعد استخدام الأمريكيون للقنبلتين النوويتين شعر ستالين بأن استخدام هذا السلاح هو رسالة أمريكية واضحة بأن القنبلة النووية الثالثة ستكون ضد الاتحاد السوفييتي فلم يضِع الكثير من الوقت. وفي عام 1949 بعد اربع سنوات فقط من القاء القنبلة النووية على ناكزاكي حصل السوفييت على قنبلتهم النووية الأولى ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم لم تتجرأ الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى أن تبتز الدولة السوفيتية أو الروسية أو أن يظهر هتلر نازي آخر في أي من دول العالم.
للحرب العالمية الثانية من الدروس والعبر القيمة ما يكفي لتذكر قادة العالم بمسئوليتهم تجاه البشرية جمعاء وبجسامة الخطأ الذي لو ارتكب ثانية لقاد كوكبنا الجميل الى خرابه وربما الى نهايته. فمع وجود هذا السلاح يبقى احتمال استخدامه واردا، وبحسب الخبراء والعلماء ذي العلاقة بهذا السلاح فان ما موجود منه لدى الدول المالكة له يكفي لتدمير العالم عشرات المرات. ويتحتم على الدول النووية أن تعمل مجتمعة على التخلص من هذا السلاح الفتاك أولا. وتحريم البحث في استخداماته العسكرية تحريما تاما ثانيا. وثالثا، تعزيز الرقابة على الدول التي كان لها أو لها حاليا الرغبة في حيازة هذا السلاح. ورابعا، دعم حركات السلام الشعبية ليكون لها دور فاعل في تحسين العلاقات الدولية وانهاء التوترات بين الدول بالأساليب السلمية والحوار البناء.
عالم الفيزياء الأمريكي Julius Robert Oppenheimer رئيس فريق العلماء الذي صنع القنبلة النووية الأمريكية ذكر في حوار معه أجراه الصحفي أدوارد مورو في عام 1955 واصفا نفسه بعبارة استعارها من الكتاب الهندي المقدس أنقلها كما وردت في الحوار: ****
" Now, I am become Death, the destroyer of worlds.". " أنا الآن الموت مدمر العالم "