الرقابة الإعلامية الرقمية

نيرة النعيمي

2022-01-16 04:24

الرقابة التقليدية تقوم على التسلسل الهرمي للسيطرة. وتحدد القيادة السياسية للبلد بالشكل الأكثر صرامة ما يستطيع الناس معرفته، وتنفذ التوجيهات من قبل رقباء فعليين يشغلون غرف الأخبار ويمنعون نشر المواد المحظورة.

وبعبارة أخرى، الناس لا يطلعون على الاشياء التي لا يعرفونها. وهذا النوع من الرقابة هو مفارقة تاريخية في عالم يتسم بالعولمة وانتشار شبكات الانترنت حيث يتعين على الأنظمة الاستبدادية أن تندمج في النظم المالية ونظم المعلومات الدولية. حتى إذا كنت ترغب في حظر الإنترنت، وهذا لاتقوم به سوى عدد قليل من البلدان هذه الأيام - تحتاج إلى إيجاد وسيلة لإدارة المعلومات بدلا من الاعتماد على وسائل القمع البسيطة. مجموعة متنوعة من الستراتيجيات التي تركز على سلالة جديدة من المستبدين المنتخبين الذين أسميهم "الديمقراطيون". وأتطلع إلى النظام الصيني لإدارة الإنترنت، واستكشف أيضا الطريقة التي يستخدم بها الإرهاب والجماعات الإجرامية الاجتماعية وسائل الإعلام لنشر رسالة الخوف والترهيب.

فعلى الحكومات والسلطات المختصة أن توفر جهد المراقبة والرصد وملاحقة النشطاء على هذا الإعلام الجديد عبر الوضوح في العمل والوضوح في السياسات وإدراك أن كل الناس تسمع وترى وتخلط الحابل بالنابل ولا يزيل الغبش ويجلي الصورة إلا الحقيقة والمعلومة الصحيحة لأن المجالس اليوم غير مؤتمنة، والسرية باتت من العملات النادرة، وباتت الألسن تذيع كل ما تقع عليه العين أو تسمعه الأذن.

على أي حكومة أن تعمل جاهدة على التواصل مع الجمهور من رأس الهرم فيها وصولا إلى كل الوزراء ورؤساء الهيئات والقامات والمقامات في العمل الحكومي من أصحاب الفئات العليا التي تشكل خط الحماية الأول لأداء الحكومة والذود عنها والدفاع عن سياساتها ولا يكون ذلك إلا عبر تزويد هؤلاء جميعا بكل المعلومات والحقائق حتى يكون دفاع هؤلاء المسؤولين على بينة وبالدليل الواضح وبالحجة المقنعة التي لا تحتمل التأويل.

إذا كان عمل الحكومة هو خدمة المواطن وتوفير عوامل الراحة له والعمل على إشباع رغباته وطموحاتها فمن باب أولى أن تكون الحكومة أكثر الناس حرصا على مشاركة الجمهور ووضعه في صورة ما يجري بكل التفاصيل التي تخدم عملها، فإشراك المواطن في صنع القرار يساعد الحكومة على أن يتقبل المواطن القرارات ويتحمل المسؤوليات كاملة ما دام أنه كان شريكا في صنعها.

وعليه، فعلى أركان الحكومة في أي مكان من هذه الأرض أن يكون لهم نشاط تواصلي مع الجمهور وأن يكون لهم حسابات في الإعلام الجديد، وأن يحددوا لهم أيام أو ساعات للتواصل مع الناس والرد على التساؤلات، ووضعهم في الصورة الكاملة والاستماع إلى شكاواهم ومطالبهم فهذا سيساعد على إيجاد علاقة بين الجمهور والمسؤول، لأنه وفي ظل هذا الإعلام الجديد لم يعد هناك مكان للسرية، فأجهزة الرقابة والتنصت عالية الجودة والمتصيدون كثيرون، والأعداء أيضا، ومن الصعب مواجهة هؤلاء من قبل الحكومة وحدها، وفي الوقت نفسه من الصعب مواجهتهم في ظل غياب المعلومات والحقائق والشفافية مع أفراد المجتمع.

أوقفوا عمليات الملاحقة والمراقبة لأدوات الإعلام الجديد لأنها جهد ضائع فهي بلا حدود، واعملوا على تشجيع الناس على التواصل معكم عبر مواقعكم ونشاطاتكم على هذه الوسائل بكل صدق وشفافية، فقد تخدع الناس مرة ولكنك لن تخدعها في كل مرة، وسرعان ما يكتشف الناس الخداع، وعندها لن تصلح سياسة الترقيع والاعتذار (وكان قصدي ومش قصدي)، فالمواطن حساس وذكي.

سارعوا أيها المسؤولون بالعمل على التواصل مع الجمهور فهو رصيدكم الذي ينفعكم كما ينفع القرش الأبيض في اليوم الأسود، وكونوا بين الناس ولامسوا همومهم، فإن لم يكن مباشرة فعبر الإعلام الجديد سهل التداول وسهل الوصول وسريع الانتشار، فهو يصعب محاصرته أو مراقبته أو الحد منه.

وسائل الإعلام الحديثة كمُثقِّف للجمهور

نظرًا لخصائص وسائل الإعلام الحديثة التي تتسم باللامركزية واستخدام الوسائط المتعددة والتفاعلية، فقد فتحت المجال أمام إمكانية استخدامها كأداة للتثقيف جماهيري. على سبيل المثال، استخدمت هيئات إدارة الانتخابات والمنظمات الدولية لنشر الديمقراطية، ومجموعات المجتمع المدني وغيرها مواقع اليوتيوب وغيرها من المواقع التي تنشر مقاطع الفيديو، على نطاق واسع لتبادل مقاطع الفيديو الرامية إلى التوعية المدنية وتوعية الناخبين.

إنجازات الإعلام الجديد

لقد نجح الاعلام الجديد في تحويل عدة قضايا هامة بعد تبنيها من قبل روّاده إلى قضايا رأي عام، لافتاً انتباه المجتمع والمسؤولين إليها، فلا يستطيع أحد اليوم أن يدعي بأنه مهتم بالشأن العام، أو قريب من نبض الشارع، ويشعر بهموم الشعب دون استخدام -مباشر أو غير مباشر- لقنوات الاعلام الجديد. ولن تنجح أي جهة تخدم المواطنين في المستقبل القريب وهي لا تملك خطة واضحة للانخراط في حراك الاعلام الجديد.

مهما انعزل الفرد عن الانترنت إلا أنه من شبة المستحيل أن يخلو يومه من الاستماع لحديث المجالس حول مايجري في صفحات الاعلام الجديد (فيس بوك، تويتر، يوتيوب، غيرها). فعندما انطلقت الشبكات الاجتماعية تواليا (فيس بوك، يوتيوب، تويتر) مابين 2004-2006 اجتذبت في البداية اهتمام فئة محدودة من الناس، وبالأخص من لهم ميولات تخصصية بالبرمجة والتقنية، ثقلا للعالم الافتراضي في الانترنت طابعا يحمل معه أصداء عالية على أرض الواقع. فموقع فيس بوك في العراق اليوم على سبيل المثال يشهد نسبة دخول عالية مقارنة بالتعداد السكاني للعراق، ومقارنة بعدد مستخدمي الإنترنت، مما يجعله في مراتب متقدمة عالميا من حيث نسبة المستخدمين.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا