مجون عراقي!؟
ابراهيم العبادي
2021-12-23 05:37
لا يكاد يمر اسبوع في العراق دون ان تكون لنا مشكلة نتجاذب فيها أطراف الجدل والسجال، الاجتماع السياسي والديني العراقي مفتوح لكل ما يثير الاختلاف والصراع، هذه ميزة المجتمعات التي تمر بمرحلة انتقالية دون ان تستقر هويتها السياسية وأعرافها الثقافية والقوانين المنظِمة للحقوق والحريات، ثمة ارتباط وثيق بين تأثيرات العولمة والظاهرة الاتصالية الجمعية، وبين ما يظهر من تناشزات في سلوكيات افراد المجتمعات التقليدية.
لم يعد بالامكان مواجهة الزوابع الفنية والثقافية والصيحات والموضات عن طريق المنع الرسمي وتشييد الجدران السيادية، السيادة لم تعد قادرة على حماية (الامن الفكري والثقافي) لأن الاثير هو ما يجمع الشعوب والامم، ويوحد الاولويات ويغرس الافكار والموضات والصيحات الجديدة ،ويؤسس لقيم عالمية، تصدرها مجتمعات اجتازت مرحلة الحداثة ودلفت الى عالم ما بعد الحداثة بكل شكوكه وتعقيداته وخرافاته واساطيره، الخصوصيات الثقافية تتعرض لضغط كبير، والاعراف والقيم التقليدية للمجتمعات تواجه زعزعة شديدة، بفعل عواصف الثورة الاتصالية.
ما العمل اذن في ضوء هذه التحديات الكبرى،!؟ المجتمعات التي انجزت شوطا كبيرا في حداثتها وتنميتها واستقرارها، لا تواجه ازمات مركبة ومعقدة مثلما نواجه، فنحن يترابط لدينا مشكلات العوز والرفاه والنقص والجمود الثقافي والتصلب الفكري والتطرف السياسي مع قضايا الدين والمذهب والهويات، ويصبح من الصعوبة بمكان تفكيك بنية المشكلات الثقافية عن الاشكاليات السياسية والمجتمعية والتنموية، تنمية الفكر والثقافة والسياسة، والتنمية المعرفية والعلمية والاقتصادية.
نحن نواجه صراع ثقافات متلازم مع صراع افكار وسلوكيات سياسية واختبارا للايديولوجيات الحزبية وفاعليتها في بيئاتها المحلية، حيث يتغلف السلوك الفردي، بسلوك ديني تقليدي، وشعائرية طقوسية مشدودة الى ماض سحيق، مع صراع المذاهب والفرق وتعبيرات الذات القومية والحزبية والطوائفية.
من هنا يصبح اقامة الاحتفالات والكرنفالات والمعارض والمهرجانات المماثلة لنظيرتها الغربية اقتحاما يستفز المنظومة القيمية في بيئة خاضعة للقيم الدينية وتصبح نوعا من التسويق لبضاعة ثقافية مغلفة بخلفيات سياسية مضادة لمشروع ثقافي يستثمر في الطقوسية الدينية والمذهبية التي عادة ماتؤشر لمشروع سياسي مضاد ومختلف عن الأول.
الصراع اصبح صراع مشاريع فكرية وسياسية وثقافية تسعى جميعا للسيطرة على الفضاء الاجتماعي العام لتأكيد هويتها واثبات جدارتها عبر استدعاءات غرائزية طمعا بتحقيق بعض توجهات الجمهور الشبابي.
لنتذكر ايضا ان العراقيين وان اظهروا تقليدية مجتمعية ودينية وتقيد اغلبيتهم بسمات شخصية محافظة، لكن علينا ان نتوقع ان العراق ليس جزيرة منعزلة عن عالم يتغير في كل يوم، وتصيح في جنباته صيحات تعبيرية قد تخدش حياءنا الاخلاقي والادبي والديني، وتأسيسا على ذلك لن يكون في مواجهة التغيير الاجتماعي سدود وحواجز غير الاستعداد الفكري والثقافي والقيمي المواكب لمتطلبات عصر جديد لم نكن مستعدين لآثاره، لأننا كنا منشغلين عنه بأولويات اخرى، الوعظ والنقد العنيف ذي المحتوى السياسي لن يكون ذا جدوى لأنه ببساطة غير مسموع لدى الفئات الشبابية المتبرمة والمتمردة على الخطاب التقليدي، خطاب الدين والسياسية والثقافة بالمعنى الواسع، وحتى يمكن ادارة دفة التدافع الثقافي، لابد من صياغة مستوفية لخطاب يتجاوز منطق نقد (العهر والمجون والاسفاف) الى ما هو جوهري واخلاقي في عمق حاجات الجيل الجديد ومتطلباته، وهذه هي مسؤولية الدولة والمجتمع وصناع السياسات ومنتجي الافكار.