ماذا تغير في الكويت؟

علي ال غراش

2015-07-08 06:15

الجريمة الإنتحارية الدموية والإرهابية التكفيرية التي استهدفت مسجد الإمام الصادق (ع) في الكويت، وسقط خلالها عشرات الشهداء ومئات الجرحى، من المصلين الصائمين في يوم الجمعة من أيام شهر رمضان المبارك، هزت أرواح الشعب الكويتي والخليجي وكل إنسان حر وشريف في العالم، من بشاعة الجريمة، ووحدت الشعب الكويتي.

إن العملية الإجرامية تشكل تهديدا للدولة الكويتية وشعبها، وليس مجرد إستهداف فئة محددة من الشعب، وهي رسالة لكافة المسؤولين في الدولة والشعب بأن الوطن هو المستهدف، من قبل الفئة التكفيرية الإرهابية.

ماذا تغير في الكويت، دولة القانون والمؤسسات حسب الدستور، دولة السلام والمحبة والحرية والتعددية والتسامح، والتطور الحضاري والثقافي والفن، لتصبح في السنوات الأخيرة ملاذا للفكر التكفيري والتكفيريين وتشهد عمليات تكفيرية إرهابية؟

الكويت كانت درة دول الخليج، والافضل على مستوى الدول العربية فهي دولة القانون والمؤسسات، دولة احترام الدستور والقانون، دولة الحرية واحترام التعددية والتعايش السلمي، والنهضة الحضارية والعمرانية وبالخصوص في السبعينيات من القرن الماضي، وهي الأكثر تقدما في المجال الإعلامي والثقافي والفني، قبل ان تتعرض للغزو الصدامي العدواني التدميري، ثم السقوط في براثن الغزو الفكر التكفيري الأشد خطرا من الغزو العسكري، حيث سيطر الفكر التكفيري على مؤسسات الدولة، وشهدت الكويت شللا كاملا في الحركة التقدمية والعمرانية، وتراجعا في الحريات والممارسة الديمقراطية والتعددية، وانشغلت الكويت بقضايا داخلية ومنها الطائفية، لدرجة التكفير والإعتداء والقتل والتفجير كما حدث في يوم الجمعة الدامي 26/6/2015م. عندما تم إستهداف مسجد الإمام الصادق (ع) وقتل المصلين الصائمين.

دولة الكويت شهدت طفرة في كل المجالات في الستينيات والسبعينيات، وتحولت إلى درة دول الخليج، وكعبة الثقافة والمعرفة، لأنها أعطت الأولوية في سياستها الاهتمام بالشأن الداخلي الكويتي، ودعم السلام في العالم، وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، والصراعات الخارجية، والتحول كطرف في الصراع.

لقد دفعت الكويت الثمن غاليا عندما قدمت العون والمساعدة للنظام العراقي – صدام حسين المخلوع – في الثمانينات من القرن الماضي في حربه ضد ثورة الجمهورية الايرانية الاسلامية الوليدة، فكانت النتيجة ان صدام شن اعتداء واحتل الكويت، ولم يخرج إلا بعد حرب دولية عاصفة الصحراء.

تحررت الكويت من الغزو الصدامي الدموي العسكري، ولكنها في ظل الفرحة بالنصر سقطت من حيث تدري أو لا تدري، في غزو جديد أشد خطورة من الغزو العسكري وهو الغزو الفكري الديني التكفيري، الذي حول الكويت من حال إلى حال، من دولة رائدة للحراك السياسي الديمقراطي الدستوري، دولة المحبة والسلام والحرية والتعددية والتنوع والتعايش السلمي، وشعب موحد بلا تمييز طائفي، والفن والثقافة، والسعي لحل الأزمات الخلافية في المنطقة بالأساليب السياسية السلمية بعيدا عن العنف والحروب، إلى دولة ذات توجهات إسلامية متشددة إلى حد التكفير، والتدخل في صراعات خارجية حربية، ودعم جماعات دينية تكفيرية بالموقف السياسي والمادي والشعبي، وأخيرا تأييد السعودية والدخول معها في شن عدوان على دولة اليمن، رغم ان الدستور الكويتي يمنع شن أو مساعدة اي دولة في شن اي عدوان على أي دولة !!.

والغريب أن اي شخص أنتقد قرار الدخول في الحرب على اليمن، – على انه مخالفة للدستور، وعلى أساس ان القاتل والمقتول في الحرب هو الشعب العربي، والخاسر فيها الأمة العربية، والحرب مصيرها الفشل الذريع لأنها حرب عبثية، وليس للكويت مصلحة في تأييدها، وان الأفضل التدخل عبر السياسة الدبلوماسية لحل الأزمة اليمينة، – تعرض للاعتقال والمحاكمة والسجن !.

ولقد حاول اتباع الفكر التكفيري، الاستفادة من أجواء الحرب على اليمن، ومن قرار منع انتقادها، عبر اللعب على الوتر الطائفي، فقد تم إستغلال منابر المساجد والاعلام، لإشعال نار حرب التجييش والتحريض الطائفي، باسم تأييد قرار الحرب، وجعل الحرب على اليمن حربا دينية طائفية مقدسة، ومن نتائجه الجريمة البشعة التي وقعت في مسجد الإمام الصادق عليه السلام.

الكويت تستحق الخير والحب والسلام، وينبغي الاستفادة من التجارب السابقة التي ولدت مآسي للكويت وشعبه الحبيب، من بعض السياسات: مثل سياسة فتح المجال للفكر التكفيري بالسيطرة على مؤسسات الدولة ليكون الفكر الأوحد، وتهميش التنوع والتعددية الفكرية والسياسية والدينية، الذي أدى لمجزرة مسجد الإمام الصادق (ع).

لقد خسر الشعب الكويتي والخليجي والعربي بتراجع الكويت عن سياستها السابقة رائدة العمل السياسي الديمقراطي الحر، وكدولة السلام والمحبة والتسامح والتعايش السلمي، وعدم التفريق والتمييز بين مكونات الشعب، والإبتعاد عن صراع الحروب، ودعم الثقافة والمعرفة والفنون.

الكويت دولة لها مكانة كبيرة في قلوب من عاشوا فيها، ومن استفادوا من مؤسساتها الثقافية والعلمية والأدبية، ومن الحرية والتعددية، ومن وسائلها الإعلامية وبالخصوص الصحافة في فترة السبعينيات وبداية الثمانينات، ومن دعم الكويت للقضايا الإنسانية، نتمنى أن تعود الكويت إلى موقعها الطبيعي رائدة العمل السياسي الديمقراطي، وللمحبة والسلام والعمل الإنساني، والتطور في كافة المجالات وبالخصوص في مجال العمل الدستوري القانوني المؤسساتي المتميز، واحترام الحريات والتعددية، وفي المجال الإعلامي والثقافي والفني.

الجريمة البشعة إستهداف مسجد الإمام الصادق (ع)، وسقوط العشرات من الشهداء والمئات من الجرحى – من المصلين الصائمين – من أتباع مدرسة أهل البيت (ع)، وتضامن الشعب مع الضحايا، ووقوف المواطنين مع قيادة الوطن في خندق واحد، تمثل فرصة ذهبية لتصحيح الوضع في الكويت وإنقاذ الوطن من المخاطر، والخطوة الاولى تكمن في المبادرة السريعة لسن قوانين تمنع سيطرة الفكر التكفيري والعدائي والتدميري، والتحريض والتجييش، وتنظيف مؤسسات الدولة ومنها الدينية والتعليمية كالمناهج من الفكر التكفيري، التشجيع على ممارسة الحريات والتعددية واحترامها وحمايتها، ليكون الكويت لجميع الكويتيين بلد التسامح بلا تمييز ولا تفريق ولا سيطرة لفكر واحد.

قوة الكويت باحترام الديمقراطية والدستور، والعدالة والحرية والشفافية والتعايش السلمي.

شكرا للكويت قيادة وشعبا، على الموقف الوطني والإنساني والديني، بالمبادرة السريعة بعد حادثة تفجير مسجد الإمام الصادق (ع) مباشرة للوقوف والتضامن مع من تعرضوا للإعتداء الإرهابي، وزيارة الموقع والإطمئنان على الضحايا، والتعامل كعائلة واحدة، وكان لموقف أمير البلاد والحكومة الإنساني والوطني الأثر الطيب، بالإضافة إلى تصدر الحدث وسائل الإعلام في الوطن، وقطع كافة البرامج لتغطية الحدث ونقل التشييع على الهواء مباشرة، وإعلان الحداد الرسمي

نسأل الله تعالى أن يرحم الشهداء الأبرار – شهداء الصلاة والصيام – بواسع رحمته، وأن يحمي الكويت ودول المنطقة والعالم من شر الفكر التكفيري التدميري، وأعداء الديمقراطية والحرية.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا