الفوضى والنظام الاجتماعي الجديد
ناصر محمود الصادق
2015-07-04 05:04
في ظل الفوضى التي تعصف بالشرق الاوسط وبغيره، التساؤل الذي لم يحز على اثارة من قبل الباحثين هو عن مدى اثرها على النظام الاجتماعي للأمم والشعوب، فلئن كانت الفوضى الحالية تمهيداً لانبثاقة نظام سياسي عالمي جديد قائم على قواعد ومعادلات مباينة لسابقه، سواء أ كانت ملامحه تدشيناً لسايسكس بيكو جديد ام زرعاً لتعددية في الاقطاب ام تكريساً للامركزية في صنع الاحداث واحتوائها مسقفةً بمركزية امريكية غير مباشرة تخفيفا عن العبء الثقيل المتراكم على الادارة الامريكية ما يكبدها خسائر في المال والفكر والرجال والسمعة – كما يراها البعض – فان هناك بازائها انبثاقات اخرى لا تقل اهمية عن صاحبتها بل يمكن البوح بجرأة انها تفوق تلك في اثارها ومعطياتها، ومن اهمها ولادة نظام اجتماعي جديد موحد حاكم على الشعوب والامم.
فكرة النظام الجديد قائمة منذ امد بعيد سار في طريقها بعض الدول وان آل امرهم الى فشل مخجل، وقامت بطرحها كايديولوجية بعض مراكز الدراسات الاجنبية، وهي فكرة تدعو الى الغاء الديانات كلها والالتزام بمنهج موحد بشري بسمات معينة.
فكأن القائمين على المشروع رموا احياء ما كانت عليه المجتمعات في العصور الاولى من تلون البشرية بلون واحد كما يحدثنا القران الحكيم بقوله: (كان الناس امة واحدة) اي على ضلال وفي ظلام (فبعث الله النبين مبشرين ومنذرين).
الخطط التطبيقية التي سعي لها المنظرون للفكرة وفدت كخطط معمقة ذات ابعاد متنوعة فكرية كأطروحة التعددية الدينية والتي هي المنصة للقفز بها الى مرحلة الغاء الدين والديانات كلها.
وعقلية كتهميش الفلسفة من واقع الحياة العلمية والغاء دور الغيب في المنظومة العقلية.
وعملية من خلال الاستهتار بالقيم الدينية واظهارها كقيم تضاد الحقوق الاولية للانسان كان اخرها الاقرار بالزواج المثلي في جميع الولايات الامريكية وكان منها ما حدث في بعض الدول الاسلامية من مظاهرة للنساء تطالب بالسماح لهن بارتداء التنورات الصغيرة، ومنها ايضا الحركة الفيمنيستية، كل هذه الحركات وان تزينت بشيء من القانون والحرية وحقوق الانسان الا ان مرماها الحقيقي استهداف الدين كعنصر جذري في المجتمعات.
آلية الفوضى
انها الفوضى يعمل في ظلها بخفاء وهدوء المبشرون للمشروع الاجتماعي الجديد، ففي الوقت الذي يتجه الاخرون الى معالجة الواقع المر وصيانة الوطن من اجتياحات امثال داعش ومن التفجيرات والكائنات المفخخة، والحفاظ على سلامة الاراضي ووحدتها، يعمل العاملون بعيدا عن اعين الجميع، ليفاجأ الجميع بعد مضي خمس سنين او عشر، بحدوث تغيير جذري في البنية الاساسية لمجتمعاتهم وامتهم وشعبهم، وتغيير في نمط التفكير والوعي.
ويمكننا ان نلخص معطيات الفوضى فيما يلي:
1: بينما الجميع منهمكون في معالجة تداعيات الاحداث – كما يحدث في العراق وفي اليمن ومصر والسودان وغيرها من البلدان الملتهبة – الحاملون للفكرة يعملون ليل نهار بعيدا عن مراقبة او محاورة او مجادلة او منافسة، ليجد المرء بعد انقشاع الكابوس واقعا اجتماعيا جديدا مغائراً تماماً.
فالأثر الهام للفوضى هو صرف الانتباه وصرف الاذهان والعقول والافكار عن حراكهم ومبادراتهم.
2: انها تشكل ارضية خصبة لقبول الفكرة في المجتمعات التي استحكم فيها التمسك بالدين، والذي لم تُجدِ الادوات المعهودة من الترغيب او الترهيب او القوة الناعمة المتمثلة بالافلام والالعاب المناصرة لتلك الفكرة، في تكريسها.
فجاء نشر الفوضى كألية من افضل السبل الى تلقينها اولاً ليليه ثانياً اخضاع تلك المجتمعات للقبول بها من حيث لم يشعروا.
العراق نموذجاً
في العراق وطيلة السنوات العجاف التي التصقت به غير راضية بمفارقته، وفي خضم تراكم الفوضى والانتقال من واحدة الى اخرى، اضطر الشعب كله بالقيام بواجبه من الدفاع عن ارض الوطن ووحدته وصونه من التوغل في المستنقع اكثر فاكثر، فوفدت تحركات المبشرين الجدد تحت اجنحة الفوضى وعلى حين غفلة من اهله لتبث افكارها في مختلف طبقات وشرائح المجتمعات وبمنأى عن اعين المخلصين للوطن والوطنية والدين الا القلة القليلة الواعية.
بازاء ذلك عمدت تلك الجهات الى فتح جبهات دينية من شانها الاضرار بالكيان الديني ككل وهي الجبهات التي تنطلق بسمة دينية تحمل في واقعها اهدافاً معادية للدين على المدى المتوسط والبعيد ضمن خطة مدروسة، كالحركة الوهابية والسلفية والداعشية ذي الطابع العنفي وغيرها من الحركات والتي غلب على طابعها شيء من المرونة والليونة استقطابا للشباب الاحداث وتغريرا بهم مما يؤول امرهم بعد انجلاء الخدعة الى التهمك بالدين وجعله سبباً لانخداعهم.
وتحركات اخرى عديدة من أطراف ومنظمات متنوعة الا انها تروى وتمد من فكرة واحدة.
لذا على جميع المؤمنين القادة والدعاة صرف مزيد من الجهد والفكر للوقوف امام المد العملاق الآتي من الان، فان التأخير في النهوض والتأخير في تحدي السيل الاتي يفقدنا القدرة على تعاطي الواقع الجديد.