الوضع في ليبيا بعد مرحلة السراج
محمد كريم جبار الخاقاني
2020-11-03 07:19
أعلن رئيس المجلس الرئاسي في حكومة الوفاق فايز السراج إستقالته، داعياً لجنة الحوار لتحمل مسؤولياتها تجاه ليبيا والعمل لتشكيل سلطة تنفيذية تأخذ على عاتقها إنتقال سلمي للسلطة في ليبيا، وكان السراج وهو رئيس الحكومة المعترف بها دولياً قد تسنم منصبه بعد إتفاق الصخيرات عام ٢٠١٥، إذ قال السراج في كلمة موجهة للشعب الليبي بأنه كان يعمل في ظل انقسامات كبيرة بين أطراف النزاع الليبي وتعرض ولا زال لمؤامرات سواء داخلية أو خارجية.
وساعدت عوامل الإستقطابات بين الفرقاء إلى صعوبة التوصل لحلول مقبولة للأزمة الليبية، على الرغم من جهود تبذلها منظمة الأمم المتحدة في المغرب وسويسرا حاليا لجمع الأطراف لطاولة المفاوضات بقصد التسوية للأزمة في البلاد، واختيار رئيس جديد وكيفية توزيع المناصب القيادية في ليبيا بين الأطراف جميعها.
ولم يكن إعلان السراج نيته ترك منصبه نهاية شهر تشرين الأول ٢٠٢٠ مستغرباً لأعضاء المجلس، بل كان تعبيراً عن قناعتهم بعدم تمكنه بجدوى الإستمرار في المنصب بسبب الخلافات الحادة، وبالتالي قد تم تعليل تلك الرغبة بتدهور الحالة الصحية للرئيس وحجم الضغوطات الخارجية والداخلية التي يتعرض لها، وعجزه عن تقديم الحلول المناسبة للمشاكل والتحديات التي تمر بها البلاد والتي أثرت بشكل كبير على حياة المواطنين داخل ليبيا.
ويمكن القول بأن التقارب الذي حصل بين برلمان طبرق والمجلس الأعلى للدولة في مفاوضات بو زنيقة في المغرب قد أسهمت بشكل كبير جداً في التعجيل بترك المنصب بالنسبة لفايز السراج، مع ضغط خارجي يهدف إلى إبعاد السراج وحكومته من التحكم في المشهد الليبي مستقبلاً.
وسوف يستمر السراج بإدارة الحكومة الليبية بشكل تصريف أعمال لحين التوافق على شخصية ليبية لقيادتها في المرحلة القادمة، في محاولة لزج وجوه جديدة في المشهد السياسي الليبي، وبتقديم السراج إستقالته، يكون قد اقفل الباب أمام المزايدات التي يطلقها خصومه بين الحين والآخر عليه لكونه معطلاً للحركة السياسية داخل ليبيا ومنعها من ممارسة أعمالها سواء تنفيذية كانت أم تشريعية، وتأتي إستقالة السراج في الوقت الذي تجري فيه مفاوضات في مدينة بو زنيقة المغربية وهو ما يعد إنفراجاً في الأزمة الليبية والتوصل لإتفاق وقف إطلاق النار في ٢٢ آب الماضي.
وبخصوص ما يمكن أن يتركه السراج من فراغ على المشهد السياسي الليبي، فهو سيكون معقداً بين صفوف حكومة الوفاق الوطني، وأن السراج لم يأتي بشكل منتخب من قبل الشعب الليبي وبالتالي فإن وجوده أو غيابه عن الحراك السياسي الجاري لن يؤثر على عملية السلام القائمة حالياً، فالمفاوضات تجري بين ممثلي مجلسي النواب والدولة.
وهناك من يربط ترك السراج لمنصبه في شهر تشرين الأول المقبل مع بدء الخلافات بينه وبين وزير الداخلية فتحي باشاغا وهو من مدينة مصراتة، وهو ما أجج الصراع الكبير بينهما على زعامة الحكومة، وبالخصوص تفجر الوضع المتأزم بينهما بعد أيام من زيارة قام بها باشاغا إلى أنقرة أثمرت عن عودته لمنصبه وزيراً للداخلية بعد أن تمت إقالته من قبل السراج وإحالته للتحقيق بسبب الإحتجاجات والإشتباكات التي وقعت بين المتظاهرين وقوات الأمن الليبية في طرابلس، بعد أن طوقت القوات الموالية له، مقر حكومة طرابلس في إشارة واضحة وتحدي للسراج في مشهد تم وصفه بأنه إستعراض للقوة التي يتمتع بها باشاغا في المشهد الليبي وداخل حكومة الوفاق الوطني، ويسيطر التحالف الغربي على أكبر مدينتين ليبيتين وهما مصراتة وطرابلس العاصمة.
ويبدو بأن بوادر الخلاف بين السراج وباشاغا ترجع بداياته إلى شهر تموز الماضي، بعد أن حاول باشاغا بانتقاد السراج بشكل علني ووصف نفسه بأنه مهندس الإنتصارات على قوات حفتر.
وترعى تركيا حكومة الوفاق الوطني بقيادة السراج، وبالتالي فقد ظهرت الخلافات داخل المعسكر الغربي بين الاثنين، وإن ترك السراج لمنصبه لا يعني تولي باشاغا المنصب بدلاً عنه، بل على قيادات الحكومة أن تختار من تراه مناسباً لتولي المهمة، كما لا يوجد ربط بين تصاعد الخلافات بين السراج وباشاغا، وذلك كون السراج قد وضع باشاغا في منصب الداخلية.
ويذكر بأن فايز السراج قد تولى منصب رئيس حكومة الوفاق الوطني بعد إتفاق الصخيرات عام ٢٠١٥ وهي حكومة معترف بها دولياً قبل أن ينقلب عليه خليفة حفتر، ليبدأ النزاع بين مجلس النواب وحفتر من جهة، ومن الجهة المقابلة حكومة الوفاق، وليأخذ النزاع بين الطرفين إلى صراع دولي هذه المرة، فقد دعمت تركيا وقطر وإيطاليا حكومة الوفاق بزعامة السراج، بينما أيدت كل من مصر والإمارات وفرنسا قوات حفتر.
وفي خلاصة للمشهد الليبي، نجد بأن ترك السراج لمنصبه يرتبط بشكل أو بآخر برغبة باشاغا لتسيد المشهد السياسي في ليبيا خصوصاً بتوافر قاعدة الحضور الشعبي الذي يتمتع به ولا سيما في مدينة مصراتة، فضلاً عن المكانة التي يحظى بها لدى أنقرة وهو ما يمكن الإشارة إليه بعد إقالته من قبل السراج وتراجعه عن ذلك القرار بعد زيارة قام بها باشاغا إلى أنقرة وبالتالي تصاعد حظوظه لتولي زمام الأمور بعد السراج.