وماذا بعد ذلك؟

د. جليل وادي

2020-08-23 03:21

هكذا أفهم الامور‮‬،‮ ‬ولكل رأيه‮‬،‮ ‬ومجال السياسة‮ ‬يحتمل التأويلات‮‬،‮ ‬وما‮ ‬يُقال‮ ‬يأتي‮ ‬من باب التوقعات او الاحتمالات‮،‮ ‬وكنا سمعنا كما هائلا من التحليلات على مدى عقدين‮ ،‮ ‬لكن الامور سارت بغير الاتجاهات التي‮ ‬ذهبت اليها تلك التحليلات‮‬،‮ ‬وقد‮ ‬يندرج ما أقوله ضمن الذي‮ ‬قيل‮‬،‮ ‬فالحوادث التي‮ ‬تشهدها المنطقة والعراق جسام‮‬،‮ ‬ومواقف الأطراف المحلية منها تتبدل‮‬،‮ ‬حتى تصل في‮ ‬بعضها الى عكس ثوابتها ومنطلقاتها بمن فيهم العقائديون‮،‮ ‬ومما قيل‮ ‬يلامس سطح القضايا وليس أعماقها‮،‮ ‬وقد لا‮ ‬يكون ذلك جهلا بها‮‬،‮ ‬بل تحسبا من أطرافها‮‬،‮ ‬فبعضها ان لم‮ ‬يكن كثيرها انفعالية الطباع‮‬،‮ ‬قصيرة النظر‮‬،‮ ‬وبانفعالية‮ ‬غير المتحسب تتخذ المواقف‮‬،‮ ‬وتترجمها بقساوة بالغة الى أفعال‮ ،‮ ‬بحيث ترعب الذين‮ ‬يريدون قول الحقيقة‮،‮ ‬فيتجنبوها‮.‮

‬مع انهم‮ ‬يريدون بها التبصير والمساعدة على اتخاذ قرارات رشيدة‮،‮ ‬والاسهام بما‮ ‬يبعد البلاد عن الوقوع في‮ ‬مستنقعات جديدة‮،‮ ‬وكأن الذي‮ ‬وقعنا فيه لا‮ ‬يبصروه‮‬،‮ ‬والمآسي‮ ‬التي‮ ‬تجرعها العراقيون على مدى عقود‮ ‬غير كافية‮،‮ ‬ومع هذه التجربة الثرية بالفشل السياسي‮‬،‮ ‬يرون ان النهج الذي‮ ‬يسيرون عليه صحيحا وغيره خطأ فادحا‮،‮ ‬ولابد أن‮ ‬ينال من‮ ‬يتبناه عقابا لم‮ ‬يره من قبل‮‬،‮ ‬فيندر أن تكون المطالب او المواقف او القرارات او الأفعال موضوعية او محسوبة‮‬،‮ ‬فعلى سبيل المثال‮: ‬اللاعبون الدوليون في‮ ‬ملعبنا‮ ‬ينظرون للعراق كموضع متقدم سواء للدفاع كما هو حال ايران او للهجوم كما هو حال أمريكا‮.‮

‬فتدمير القدرات الايرانية‮ ‬يُعد من الأولويات في‮ ‬الاستراتيجية الامريكية التي‮ ‬لم‮ ‬يحن وقتها بعد‬،‮ ‬وبشكل أدق قل الاسرائيلية‮‬،‮ ‬فلا‮ ‬يُراد لأي‮ ‬قوة عربية او اسلامية ان تشكل تهديدا لاسرائيل‮،‮ ‬حتى تلك التي‮ ‬ترتبط معها بعلاقات متينة من تحت الطاولة او من فوقها‮ ‬،‮ ‬ذلك انهم‮ ‬يتحسبون لكل الاحتمالات‮ ‬،‮ ‬فأصدقاء اليوم قد‮ ‬يتغيرون في‮ ‬الغد‮. ‬

الايرانيون‮ ‬يدركون النوايا الامريكية فيدفعون باتجاه اخراج قواتها من العراق بوصفها تهديدا مباشرا لها‮،‮ ‬ويأتي‮ ‬الدفع بالضغط على الأطراف العراقية التي‮ ‬يرتبطون معها عقائديا او‮ ‬غيره من الارتباطات‮ ،‮ ‬والامريكان‮ ‬يطلبون من حكومتنا وكذلك الاطراف الموالية لها تفكيك الحشد الشعبي‮ ‬والقضاء على الجماعات الشيعية المسلحة‮،‮ ‬بوصفها أجنحة موالية لطهران‮ ‬يمكنها عرقلة مشروعهم المعادي‮ ‬لايران‮.

‬ومن باب الافتراض علينا أن نتخيل ما الذي‮ ‬يتوقع حدوثه فيما لو طلبت الحكومة من أمريكا سحب قواتها‮،‮ ‬كيف سيكون وضعنا الاقتصادي‮‬،‮ ‬وما هي‮ ‬طبيعة الاجراءات التي‮ ‬ستتخذها أمريكا ضد العراق‮،‮ ‬وكيف سنواجهها؟،‮ ‬وكذلك الأمر لو قامت الحكومة بحل الحشد ومواجهة الجماعات الشيعية المسلحة‮،‮ ‬وكأنها تدفعنا لحرب أهلية‮‬،‮ ‬وكيف سيكون الموقف من التنظيمات الارهابية التي‮ ‬تحركها بحسب الحاجة أطراف دولية معروفة؟‮ فلا أسهل من المطالب ولا أعقد من معرفة تداعياتها‮.

‬وليس من المحكمة القول‮ (‬ليكن ما‮ ‬يكن‮)،‮ ‬بل لابد أن نسأل‮ ( ‬وماذا بعد ذلك ؟‮). ‬أن تنفيذ أي‮ ‬من المطلبين‮ (‬وهما جوهر المشكلة العراقية‮) ‬له انعكاسات سلبية جدا على واقع ومستقبل العراق المجهول بالأصل‮‬،‮ ‬هكذا وجدت نفسها الحكومات المتعاقبة بأن أي‮ ‬خيار‮ ‬يهدف الى التوازن بين هاتين القوتين‮ ‬يصطدم برفضهما الشديد‮‬،‮ ‬ولم‮ ‬يبق أمام تلك الحكومات سوى المراوغة من دون مكاشفة الرأي‮ ‬العام وتسمية الأشياء بأسمائها‮.

‬وبما ان مطالب الأطراف الدولية ثابتة ولا تتغير‮‬،‮ ‬لذا على الاطراف المحلية ادراك موقف الأزمة والتعامل مع الحكومة بمرونة كافية‮،‮ ‬وعدم مطالبتها بما هو مستحيل‮،‮ ‬بالمقابل على الحكومة التفكير ببدائل‮ ‬غير تقليدية تحرر العراق من هذه الضغوط بأقل الخسائر‮‬،‮ ‬ومن‮ ‬غير المتوقع أن نرى مثل هذه البدائل سواء في‮ ‬التعامل مع الاطراف المسلحة صاحبة النفوذ على الارض‮،‮ ‬او مع الامريكان الذين‮ ‬يستحوذون على أغلب عناصر المساومة‮،‮ ‬لذا سيبقى الحال على ما هو عليه ان لم‮ ‬يحدث متغير كبير‮ ‬يقلب هذه المعادلات‮.‬

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

ذات صلة

الإمام الصادق معلّم القرآن الكريمالإِمَامُ جَعفَر الصَّادِق (ع) وَتَربِيَة الشِّيعَة حَقَّاًاللّه حكيم في أفعالهزيارة السوداني الى واشنطن.. اجندات الداخل وصراعات الخارجانتخابات عالمية في ظل النيوليبرالية