نحو خيار الفوضى: استهداف المصالح العراقية والاميركية
د. حسين أحمد السرحان
2020-06-30 02:45
قبيل انطلاق اولى جولات الحوار بين بغداد وواشنطن (10-11/حزيران/2020، وخلال الايام التالية لانطلاق الحوار، ظهرت تهديدات عدة من حزب الله العراقي، وشنت فصائل شيعية مسلحة هجمات صاروخية ضد المصالح العراقية والاميركية في العاصمة بغداد توزعت بين قاعدة التاجي، ومطار بغداد الدولي، والمنطقة الخضراء ومحيط السفارة الاميركية في بغداد. وأعلن تشكيل عصبة الثائرين، الذي يعلن انه تنظيم ولائي يتبع إيران، مسؤوليته عن هذه الهجمات في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي (Telegram). كما اصدرت حركة النجباء بيان اعترضت فيه على مضامين الورقة الاولية للحوار الاستراتيجي مع واشنطن.
هذه المستجدات والمواقف المختلفة تدعونا الى التساؤل، كيف يُنظر للحوار الاستراتيجي مع واشنطن من قبل ما يطلق عليها بـ "المجاميع الولائية"، وكيف تنظر له واشنطن؟ وعندها يمكننا ان نصوب رأينا بدقة للإجابة على التساؤل الرئيس في هذه الورقة الا وهو، هل باتت الفوضى هي هدف لتلك المجاميع لاستدامة النفوذ والتأثير في الشأن العام العراقي؟ ام هي تطور للصراع مع واشنطن على الساحة العراقية؟
ليس خافيا طبيعة وانساق الصراع بين إيران والولايات المتحدة في منطقة الشرق الاوسط عموما وفي العراق خاصةً. ومن المعروف المحطات الرئيسة التي مر به هذا الصراع واخرها كانت احداث بداية العام الجاري، وهي المؤثرة كثيرا في مسار هذا الصراع، الا وهي احداث اغتيال قاسم سليماني والمهندس في مطار بغداد الدولي فيكانون الثاني الماضي، وما ترتب عليه من تحشيد كبير ضد الحادثة والتي توجت بتصويت "القوى السياسية الشيعية" على توصية للحكومة العراقية لانسحاب القوات الاجنبية من العراق وما تبعها من هجمات صاروخية ايرانية على قواعد اميركية في العراق، وموقف واضح من الحكومة المستقيلة في بدء مشاورات مع الجانب الاميركي لجدولة الانسحاب من العراق, وهو موقف فُسر من الجانب الاميركي على انه خضوع لرؤية وكلاء ايران في العراق.
كل هذه الاحداث هي من دفعت الولايات المتحدة في نيسان الماضي الى الدعوة لحوار استراتيجي على لسان وزير خارجيتها مايك بومبيو مؤكدا أهمية أن يتعاون البلدان كي لا تذهب الانتصارات على تنظيم داعش الإرهابي، والجهود لاستقرار البلاد سدى في ظل انتشار وباء كورونا، وتراجع إيرادات النفط. واشار الى أن الحوار سيكون أول مراجعة لكافة المواضيع المتعلقة بالعلاقات الأمريكية-العراقية في ظل تراجع شهدته تلك العلاقات تدهورا ملحوظا منذ عام ٢٠١٨ بسبب هجمات مليشيات إيران ووكلائها على المصالح الأمريكية في العراق.
وفيما يخص الانسحاب الاميركي من العراق، وفي الوقت الذي مارست فيه المجاميع المسلحة المعترضة على الحوار التضليل والإرهاق الدعائي بأن الحوار مع الولايات المتحدة سيكون منحصرا بمسألة بقاء القوات الأمريكية من عدمه على الأراضي العراقية، وطالبت الحكومة العراقية بتحقيق هدف الانسحاب والتذكير بتصويت مجلس النواب على انسحاب القوات الاجنبية من البلاد، فان ذلك غير دقيق لأن القوات الأمريكية يمكن التحكم في حركتها من خلال إعادة انتشارها داخل الأراضي العراقية أو خارجها من غير الحاجة الى أن يُجرى حوار منظم بين بغداد وواشنطن.
وهذا التضليل الدعائي ظهر بعد زيارة اسماعيل قاآني قائد فيلق القدس الايراني الى بغداد وطالب الحكومة العراقية أن تكون أبرز المطالب التي يطرحها الفريق العراقي خلال المفاوضات هي الانسحاب الأمريكي من العراق، وتحديد أنواع الأسلحة التي يمكن للولايات المتحدة ابقائها في قواعدها فيما إذا تقرر الإبقاء على عدد من مستشاريها ومدربيها، ونوع الأسلحة التي ستزود بها واشنطن العراق مستقبلا، مع تحديد أنواع الطائرات المسيرة الأمريكية.
كذلك تعتقد تلك الفصائل ان الدعوة الاميركية للحوار مع بغداد بهذا التوقيت – الذي يشهد تصاعد الاجراءات الاميركية في المنطقة لتشديد العقوبات على إيران وانهاء نفوذها -هي امتداد للصراع بين الولايات المتحدة وإيران، وانه خطوة اميركية تصعيدية تجاه التأثير الايراني والجماعات التابعة لها في العراق.
الحكومة العراقية، من جانبها، تدرك تخوف الأحزاب والفصائل الموالية لإيران من الحوار وما ينجم عنه اتفاقات من انه قد يمكن الولايات المتحدة من تقييد وتحييد نفوذهم في العراق والمنطقة، لذا عمل الكاظمي على التواصل مع قادة "القوى السياسية" لأحاطتهم بمجريات الحوار، وتقدير الموقف بغية تهدئة التخوف، وفقا لوسائل اعلام محلية. كما ان الحكومة العراقية تتفق مع الادارة الاميركية حول النظرة الى الحوار، وان الهدف النهائي منه يتمثل بمنع انهيار الدولة ومؤسساتها بسبب التداعيات الاقتصادية ومكافحة الإرهاب وفوضى السلاح، ومواجهة أزمة فايروس كوفئيد-19 التاجي.
وفي الوقت التي تنظر في الحكومة العراقية وواشنطن بنفس المنظار، الا ان فصائل عدة مؤيدة لايران لازالت تنظر بمنظار مختلف وتكرس سلاحها وجهدها الاعلامي لممارسة نوع من التضليل الاعلامي لخلط الاوراق لدى الرأي العام العراقي، وتبويب اي تواصل عراقي – اميركي على انه استهداف لها، وبالنتيجة استهداف لإيران ودورها في العراق، والذي ترى (تلك الفصائل) فيه انه استهداف للأيديولوجية "الدينية" الضابطة لسلوكياتهم التي يرى فيها الراي العام العراقي على ان هذا السلوك تحكمه المصلحة النفعية الضيقة.
تجديد الالتزام من قبل الحكومة العراقية الجديدة بحماية القوات العسكرية للتحالف الدولي والمرافق العراقية التي تستضيفهم بما ينسجم مع القانون الدولي والترتيبات المعينة بما يوافق هذا الاتفاق تمثل مخرجات جيدة للجولة الاولى من الحوار. ولكن انعدام القدرة على ردع تلك الفصائل يوحي بأن الحكومة غير قادرة على الالتزام بتعهداتها، وهو ما يضعف الموقف العراقي ويعيد البلاد الى سيناريو اللادولة (الفوضى).
الافتراض الاساس هنا، ان الفصائل المعترضة اذا ما بقيت امام خيارين: الاول، الفوضى واللادولة، والثاني، انهاء تأثيرها ونفوذها على الساحة العراقية، فستعمل على الخيار الثاني الذي يوفر لها مساحة رحبة من انعدام سلطة الدولة، وغياب الاطر القانونية الضابطة للنظام العام، الامر الذي يجعلها في حرية اكبر للحركة والفعل ومن ثم استدامة المكاسب والتأثير في الداخل العراقي، وهو ما يخدم الاطراف الاقليمية التي ستعمل بكل ما اوتيت من قوة وقدرة للتدخل وايجاد موطئ قدم لها في الساحة العراقية وامثلة سوريا واليمن وليبيا لازالت شاخصة.