سرقة الراتب والحقوق التقاعدية
محمد عبد الجبار الشبوط
2020-06-13 04:50
يؤسفني ان استخدم هذا التعبير القاسي "السرقة" في وصف الخطوة التي اقدمت عليها الحكومة باستقطاع ما نسبته ١٠ - ١٥٪ من الحقوق التقاعدية التي تزيد على ٥٠٠ الف دينار، وقد اضطررت الى استخدام هذا المصطلح، لان هذا الاستقطاع عبارة عن سرقة مفضوحة من حقوق مالية غير مشمولة باي ضريبة او استقطاع.
الاستاذ في جامعة البصرة نبيل المرسومي، تساءل في منشور له: "كيف يمكن للدولة ان تخالف القوانين التي شرعتها؟"، واوضح ان "الاستقطاع الضريبي لرواتب المتقاعدين الذي تم فعلا هذا اليوم (الاربعاء) مخالف تماما لقانون ضريبة الدخل رقم ١١٣ لسنة ١٩٨٢ وتعديلاته في عام ٢٠٠٤ اذ ان المادة ٧ في الفقرة ٦ من الفصل الرابع الخاص بالاعفاءات تنص على اعفاء مدخولات المتقاعدين من ضريبة الدخل، التي تشمل الرواتب التقاعدية والمكافأة التقاعدية ومكافأة نهاية الخدمة ورواتب الاجازات الاعتيادية".
بل ان ما جرى هو مخالفة صريحة للدستور الذي ينص في المادة (28) على ما يلي: "لا تفرض الضرائب والرسوم، ولا تعدل، ولا تجبى، ولا يعفى منها، إلا بقانون".
علما ان المتقاعد سبق له ان دفع ضريبة الدخل، ودفع الاستقطاعات التقاعدية من راتبه، حين كان في الوظيفة، ولا يعقل ان يخضع مرتين للاستقطاعات.
هذا لا يعني انني ضد مبدأ قيام الدولة بفرض الضرائب. فانا اعلم ان الدول الحديثة تمول نفسها من الضرائب، لانها لا تملك شيئا. حتى النفط لا يعتبر ملكا للدولة في بريطانيا والولايات المتحدة، وانما هو ملكية خاصة للافراد والشركات العاملة. هذا مع العلم ان الدستور العراقي ينص في المادة ١١١ على ان "النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات".
وعليه، يصح فرض ضريبة عادلة، بطريقة قانونية سليمة، مقابل تقديم الدولة خدمات مجزية للمواطنين، لكن لا يجوز انفراد قلة من الاشخاص باتخاذ قرارات يتحمل الملايين من المواطنين تبعاتها المالية.
وهذا ما حصل. فقد اتخذت الحكومة، ممثلة برئيسها ووزير المالية فيها، وربما عدد قليل من المستشارين، قرارا يؤثر على مستوى معيشة الملايين من المواطنين بطريقة غير دستورية، وغير قانونية، وغير ديمقراطية.
كان بإمكان الحكومة ان تذهب الى البرلمان بمشروع قانون يشرعن هذه الاستقطاعات، كأن يعتبرها بمثابة ادخار اجباري قابل للرد بعد فترة معينة مع ما يترتب على ذلك من فوائد، اما ان تستقطع الحكومة هذه المبالغ بهذه الطريقة، فهذا ينم عن قمة الاستهتار بدور الشعب بالمشاركة في اتخاذ القرارات التي تهمه وتؤثر عليه، وقمة الجهل بفلسفة فرض الضرائب في الدول الديمقراطية الحضارية الحديثة.
تاريخيا، نعرف ان اول هيئة تمثيلية (برلمان) ولدت في اذار من عام ١١٨٨ في مملكة ليون شمال اسبانيا في عهد الملك الفونسو التاسع، بسبب نية الملك فرض ضريبة جديدة لتمويل حربه ضد المسلمين في اسبانيا، وكان ذلك حتى قبل توقيع الملك جون وثيقة الماگناكارتا في بريطانيا في عام سنة ١٢١٥.
نعرف ان العراق يمر بضائقة مالية سببها انخفاض اسعار النفط، لكن هذه الاسعار عادت الى الارتفاع مجددا، ما يعني ان الازمة في طريقها الى الانفراج ان شاء الله. ولكن على الحكومة ان تعرف ايضا انه لا يصح تحميل المواطن العراقي، اعباء عدم قدرتها على اكتشاف حلول اخرى للازمة، غير راتب المواطن ـ موظفا كان ام متقاعدا ـ. بل كان عليها، بدل سرقة الراتب والتقاعد، ان تباشر تنفيذ المشاريع الذكية والاستثمارات السريعة وغيرها من المقترحات العملية التي قدمها العديد من الخبراء الاقتصاديين دون ان تحظى باي اهتمام من الحكومة.