الدولة العميقة في مواجهة مع الكاظمي

عدنان أبوزيد

2020-06-08 06:50

فاز مصطفى الكاظمي برئاسة الوزراء، ليكون أول رئيس وزراء لم ينجبه رحْم الإسلام السياسي في العراق، باستثناء إياد علاوي، وقتها، حين أصبح علاوي رئيسا للحكومة، عجّلت الأحزاب الشيعية في رحيله، واعتبرت صعوده الى قيادة البلاد أمرا ليس وازنا، باعتبارها وليّة الشرعية الشعبية والانتخابية في المسْك بمقبض القرار، وكانت صاحبة الحق يومذاك، لشعبيتها التي رفعتها على أكتاف "مظلومية الشيعة".

في العام ٢٠٢٠ يحدث النقيض تماما، ذلك ان الأحزاب، شيعية، أو سنية، وحلفاؤها المحليين، وافقوا على مضض على الكاظمي لرئاسة الوزراء، معتبرين ان ذلك خطوة تكتيكية في الانسحاب المؤقت خلف الكواليس، بسبب الضغط الجماهيري في الساحات الذي عبّر عن رفضه لرموز الطبقة السياسية بعد ٢٠٠٣.

الأحزاب الشيعية وحتى السنية، وبدرجة أقل، الكردية، وجدت في الكاظمي واجهة، وعنوانا جديدا، تحافظ فيه على مواقعها الخلفية، وخنادق الدولة العميقة التي حفرتها بشقّ الأنفس.

الكاظمي رئيسا للوزراء، نعم لكن الدول العميقة المتجحفلة في خنادق المؤسسات والوزارات والقيادات الأمنية، ومفاصل الاقتصاد الرئيسي هي التي تسوُس البلاد، وفي قرارة نفسها ان ديمومة هيمنتها خط احمر، يجب على الكاظمي عدم الاقتراب منه.

استقصاء المواقف لا يُفصح الى الان عن صدامات متوقعة، بسبب بنية النظام السياسي، فيما شبكات المعارضين لهذا النظام تألّب على التناحر، واستنهاض الحراك الشعبي من جديد لتحقيق مالم يُنجز في الصفحة الاولى للتظاهرات، متأملةً في الكاظمي نسخة مناقضة تماما لعبد المهدي، يقف الى جانبها في هزّ اركان الدولة العميقة وشبكات السلطة السياسية.

أجندة الصِدام، التي يُروًّج لها عبر منصات داخلية وخارجية، سوف تؤدي الى نتائج سلبية وخيمة، لانّ الاستقرار السياسي والمجتمعي سيكون على كفّ عفريت، ولانّ جهات التحريض ليس لديها برنامج واضح للتغيير، قدْر امتلاكها وسائل تشويه اية صورة إيجابية يمكن ان تنجم عن العلاقات السياسية الجديدة الناجمة عن حقبة الكاظمي.

في الوقت ذاته، فانّ تمسك قوى الدولة العميقة، بالامتيازات وبؤر النفوذ، سوف يؤدي الى عزلة شعبية أكثر لها لاسيما بعد أن أضحت الآن مكشوفة، من دون غطاء شعبي، وفي حال انّ الكاظمي، يتحضّر لمشروع تغيير جذري، فان ذلك سيمسّ بالضرورة، أركان الدولة العميقة، ليكون المنتظر: لحظة انفجار، إذا ما أنجرف الجميع الى فتيل الفوضى.

لكن المرتجى، هو لحظة وفاق، إذا ما تمكّن الكاظمي من تعديل المسار السياسي، وفق رؤية ناضجة تتفّهم ظروف ما بعد ٢٠٠٣، سياسة الإصلاح التدريجي، هي الحل، لأن الجميع في مركب واحد سوف يغرق في المنعطفات الحادة، إذا لم تكن الاستدارات، مدروسة.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا