حرب كورونا بين بكين وواشنطن: مَن الرابح ومن الخاسر؟

مصطفى ملا هذال

2020-04-19 04:16

تتحين الولايات المتحدة الفرصة بين الفينة والأخرى للنيل من غريمها التقليدي، فهذه المرة اتخذت من ظهور فيروس كورونا ذريعة لها امام القوى الدولية من اجل تعليق اللوم على شماعة الصين التي لم تنجو هي ايضا من ضربة الفيروس الموجعة.

الاتهامات الاخيرة جاءت على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي كشف عن أن حكومته تجري تحقيقا شاملا وتحاول تحديد ما إذا كان فيروس كورونا قد خرج من معمل في مدينة ووهان الصينية.

هذه الاتهامات حصلت على أصوات مؤيدة أوروبية تدعمها بشكل مباشر وغير مباشر، حيث قال البرلمان الأوروبي أن التعتيم على حقيقة تفشي الفيروس وتعليق الحريات والخوف والكذب لا يعد سلاحاً ضد الفيروس، فيما صرح وزير الخارجية البريطاني دومنيك راب أن على الصين تقديم إجابات صعبة بشأن انتشاره.

بينما اعتبرت الصين هذه الخطابات والاتهامات في إطار العداء السياسي المتجذر بينها وأمريكا، فهي لم ترضخ امام الضغوطات الأمريكية المتواصلة ولم تكن لقمة سهلة المضغ بالنسبة لإدارة ترامب.

فقبل ثلاثة اشهر كان الرئيس الأمريكي لا يُعير للمرض أهمية كبيرة، في الوقت الذي كان فيه الفيروس بذروته في الصين، المتهمة حاليا من قبل الولايات المتحدة بتصنيعها للفيروس تارة، وكذلك لم يكن الاتحاد الأوربي خارج دائرة الاتهام بدافع عدم قدرته على التعامل مع الأزمة تارة اخرى.

كما ان منظمة الصحة العالمية لم تسلم من غضب ترامب الذي اتهمها بالوقوف الى جانب الصين، مقررا قطع المساعدات المالية لها، فيما اعتبرت جهات دولية اخرى الموقف الأمريكي لا يتماشى مع المنطق الأخلاقي والإنساني الذي من المفترض ان تتخذه جميع دول العالم.

فمن المتوقع ان حرب السجالات التي ينتهجها الرئيس الأمريكي، لم تخرج عن جهوده الانتخابية، فهو يسعى لتطويع الأزمة الراهنة والاستفادة منها في الانتخابات القادمة، ملقيا بالتهمة على حكومة بكين التي سبق وان اختلف معها بالكثير من وجهات النظر، وكذلك ما يتعلق بنسبة الضرائب والصناعات العسكرية والأجهزة اللوحية.

توجيه الاتهام للصين من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، جاء لحرف الأنظار عن التخبط الذي وقعت به حكومة ترامب في التعامل مع أزمة انتشار كورونا، والتي راح ضحيتها الآلاف، فهي أوضحت مدى التعامل السيئ مع الجائحة مما ادى الى تفاقم الموضوع والخروج عن السيطرة بصورة كبيرة.

فترامب وفي جميع المؤتمرات الصحفية واللقاءات التلفزيونية، يحاول ان يقلل من خطورة المرض، بينما بعض الولايات تعاني من نقص حاد في اجهزة التنفس، وشاهدنا ايضا كيف يدافع المواطنين للحصول على كمامة لا تتجاوز قيمتها بعض السنتات.

في الواقع ان التعاطي الأمريكي مع جميع الاحداث سواء الداخلية ام الدولية بذات الطريقة التي تعامل بها مع هذا الوباء، فهي اعتادت على اخفاء الحقائق او تأجيل إعلانها خشية التأثير على الرأي العام الداخلي ومن ثم تكوين ردة فعل شعبية تؤثر على الوضع القائم في البلاد.

اما بعد تزايد الإعداد فان المجتمع الدولي وقف مصدوما من أسلوب الخداع الأمريكي، ومحاولة لصق التهمة بالدولة الأولى التي ظهر منها الفيروس، ولكنها تمكنت بفعل النظام الصحي الرصين القائم بها، بالإضافة الى عدم التهاون معه، من النجاح في إيقاف تفشيه والسيطرة عليه، واعادت الحياة الى طبيعتها ببعض المدن التي اصابتها العدوى وتوقف فيها نبض الحياة.

ولان الفيروس يمر حاليا بطور النمو وسرعة الانتشار، وكذلك ان الصين والولايات المتحدة من بين الدول الأكثر تضررا من هذا الوباء، فليس من الصحيح ان تزيد امريكا الامور تعقيدا وهي الى جانب المجتمع الدولي بأمس الحاجة الى التكاتف وتظافر الجهود للخروج من عنق الزجاجة.

فان ما ذاهب اليه ترامب قد يؤخر الجهود المبذولة لتخليص العالم من الوباء الخطير، وتوصيل البشرية الى بر الأمان، وهنا لابد من ان تقوم امريكا بتغيير أساليب التعامل مع الأطراف المعنية من اجل القضاء على الوباء أولا، ومن ثم مواصلة تصفية الحسابات على الساحة السياسية ثانيا، ففي حال استمرت بهذا النهج فمن الممكن ان تنعكس الامور وتعطي نتائج سلبية غير ماهو متوقع.

تعتبر المعلومات مهمة للخروج من الأزمات، ولكي يتمكن العلماء من إيجاد لقاحات للفيروس لابد من معرفة البيانات الاساسية المتعلقة به، وهو ما يحتم على الصين طرحها امام المجتمع الدولي، وإخلاء مسؤوليتها بالكامل، لا سيما وان منظمة الصحة العالمية أكدت ان الفيروس ليس من تصنيع البشر.

ذات صلة

لماذا يطلب المؤمن الهداية الى الصراط المستقيم؟بعد فوز ترامب.. على العراق الاستعداد لما هو قادمالمشاريع الثقافية الطوعيةدور الشباب في إعادة بناء العراقتداعيات انتخابات إقليم كردستان على المشهد السياسي