حكومة علاوي: الموت قبل الولادة
مسلم عباس
2020-02-29 04:50
كان من المقرر ان تكون حكومة محمد توفيق علاوي قد باشرت مهامها بعد موافقة البرلمان حسب السياق المتفق عليه، لكن عدم اكتمال النصاب حال دون حصولها على ثقة أعضاء مجلس النواب، الذين تغيب جزء منهم لاسباب تتعلق بالخلافات الشخصية مع رئيس الوزراء المكلف كما هو حال كتلة دولة القانون التي رفض أعضاؤها التصويت لعلاوي صاحب الخصومة القديمة مع زعيم دولة القانون نوري المالكي، اما الكرد والسنة فهم لا يخفون نواياهم بالحصول على حصصهم في الحكومة الجديدة بدون خجل او خوف من التظاهرات الشعبية المطالبة بإلغاء المحاصصة، بل ان بعض تلك الكتل أعلنت ان رفضها للحكومة جاء لتلبية مطالب المتظاهرين.
تاتي الخلافات حول حكومة علاوي استمراراً للمشكلات التي يعاني منها العراق منذ سنوات طويلة كنتاج طبيعي لاعتماد المحاصصة وتقاسم مراكز القوة بين الأحزاب المتنفذة لدى الشيعة والسنة والكرد، وفي كل عملية تشكيل للحكومة بعد الانتخابات يتم التستر على المشكلات والاعلان عن حكومة مختلفة عن سابقاتها، لكن الواقع يتحدث ان كل وزارة كانت اضعف من سابقتها، لانه مع تقدم السنوات يكثر عدد الشركاء في الحكومة، فاذا كانت الحكومة الأولى يتم تقاسمها بين المكونات الرئيسية، فان الحكومة التي تليها يتم تقاسمها في مرحلتين، الأولى بين المكونات والثانية بين الأحزاب الجديدة داخل كل مكون، واذا ما اخذنا في الحساب الانقسامات داخل الحزب الواحد فسنجده بعد 17 عاما قد تكول كل حزب الى مجموعة من الأحزاب التي تريد حصتها في التشكيلة الوزارية.
هناك عامل اخر اكثر خطورة يتمثل بانحسار دور الدستور كعامل حاسم في الفصل بشأن المشكلات التي تعترض طريق تشكيل الوزارة في كل مرة، اذ لا توجد مرجعية ثابتة يمكن الاحتكام اليها، وكل حكومة كانت نتيجة لتوافقات بين اطراف سياسية استطاعت فرض قوتها على غيرها بغض النظر عن كون هذا الاتفاق يأخذ شرعيته من الدستور ام لا، فاذا اتفق مع الدستور تم التسويق له على انه انجاز وطني، اما اذا خالف الدستور فسيتم التبرير له بالإعلان عن وجود حالة طوارئ تتطلب تجاوزها بأي طريقة كانت.
اليوم اضيف عامل اخر لتبرير خرق الدستور وهو التظاهرات الشعبية، فالتكليف لمحمد توفيق علاوي جاء باسم المتظاهرين وانه خيار الشعب الذي سيحقق المطالب الجماهيري، وفي ذات السياق يتم رفض علاوي باسم الشعب وبدون أي مرجعية قانونية او دستورية، فالواقع يقول ان علاوي تم تكليفه بالاتفاق بين مجموعة من الكتل القوية ابرزها تحالفي سائرون والفتح.
أراد التحالفان (الفتح وسائرون) فرض علاوي على الكتل السنية والكردية فضلا عن الكتل الشيعية الأخرى، لكن يبدو ان المحاولة فيها مخاطرة ومجازفة، اذ ان زعيم سائرون السيد مقتدى الصدر كان يعول على تراجع الكتل السياسية عن رفض مرشحه تحت ضغط التظاهرات الشعبية، والتهديد بتمرير كابينة وزارية مستقلة بعيدة عن المحاصصة الحزبية والطائفية، لكن اذا كان مجيء الحكومة فيه خرق للدستور، فكيف يمكن لها اصلاح ما افسدته الكتل السياسية سابقاً، واذا كانت وزارة محمد توفيق علاوي قد انبثقت من كتلة سياسية غير مرئية فكيف يمكن لها فتح الأضواء الكاشفة وفضح الفاسدين كما وعد رئيسها المكلف صاحب الجنسيتين.
اذا كان علاوي يريد محاربة الفساد فعليه ان يفكر جديا بعدم خرق الدستور الذي يفرض التنازل عن الجنسية الأجنبية لكل شخص يتقلد منصبا سياديا، وعلاوي لم يفعل ذلك، كما يجب ان ترشحه الكتلة الأكبر في البرلمان، بينما هذه الكتلة لا وجود لها الان في ظل حالة التشظي البرلمانية، وعليه ان يحترم التوقيتات الدستورية في تشكيل الحكومة من التكليف الى التاليف وهذا لم يحصل معه.
اما في المرحلة الثانية، وفي حال استيفاء الشروط اللازمة (رغم انها شبه مستحيلة) فان علاوي سيواجه ازمة أخرى وهي مواجهة أحزاب السلطة التي عززت وجودها منذ عام 2003 وحتى الان، وهنا تبدو المهمة صعبة الى حد كبير، لكن محمد علاوي تجاوز المرحلة الأولى دون وجود مخرج سليم، وحلل على نفسه ما حرمه على غيره، فخرق الدستور بتكليفه من دون كتلة اكبر واحتفاظه بجنسيته الأجنبية فضلا عن تجاوزه التوقيتات الدستورية في تشكيل الوزارة، كل هذه الخروقات تجعل حكومة علاوي شبيه بسابقاتها فهي تولد ميتة بغض النظر عن موافقة البرلمان او رفضه لها، وبغض النظر ان كان فيها وزراء سنة او شيعة او كرد، الموت الحقيقي لاي حكومة هو بخرقها للدستور فهي مثل الذي يرفع درح الحماية عن نفسه لانه لا يحتمل وزنه الثقيل، الا انه يجعله عرضة للتشكيك وعدم التعاون من جميع الأطراف الا في اطار المصالح الخاصة، ما يعني العودة الى المربع الأول، وهو مربع التوافقات المقيت والمميت.