عبد المهدي يبحث عن مفاتيح تشغيل الماكنة العراقية
في مستنقع حليفيّ بغداد المتصارِعيْن
عدنان أبوزيد
2020-01-12 04:36
أضحى رئيس وزراء العراق المستقيل عادل عبد المهدي، المتّهم من قبل مواطنيه، ببطء القرار، وغياب الحزم، بين انتقام خصمين تاريخيين، لكنهما حليفان لبلاده، وهما إيران والولايات المتحدة، وحتى على مستوى التظاهرات، باتت القوة الشعبية منقسمة بين طهران وواشنطن، في مفاجأة لاتجاهات الرأي التي اعتقدت منذ سنوات ليست بعيدة ان الجمهور الشيعي بات كله في سلة إيران بسبب العقيدة الدينية.
وعلى رغم ان عبد المهدي، يُحسب على النفوذ الإيراني في العراق، الا انه يعبّر عن الرفض، شكليا – على الأقل-، لانتهاك السيادة من قبل اية قوة خارجية، في إشارة الى اغتيال سليماني والمهندس في محيط مطار العاصمة بغداد، ثم القصف الإيراني لقاعدة الأسد الامريكية، غربي البلاد.
وانهالت صواريخ ايرانية على قاعدتين عسكريتين امريكيتين، الأربعاء الماضي، ردا على اغتيال الولايات المتحدة لقاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، لم يكن موقف عبدالمهدي مفاجئا، ذلك ان الرجل يقع تحت ضغوط فصائل الحشد الشعبي التي ترى في ضرورة اتخاذ موقف حاسم من التواجد الأمريكي في العراق واختراق سيادته من قبل واشنطن، مثلما يجد نفسه مضطرا الى الاستجابة لقوى الضغط التي تدعوه الى ادانة ايران.
ولجأ عبدالمهدي الى الحل الوسط، اذ دعا الى "تغليب لغة العقل والتقيد بالمواثيق الدولية بتجاوز الأزمة الخطيرة التي تهدد العالم بحرب مدمرة شاملة"، لكن لغة عبد المهدي الخطابية وسلوكه السياسي، يخفي وراءه حزنا شديدا على اغتيال نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، الذي تربطه به علاقة خاصة، خارج الأطر الرسمية.
وحين استلم عبدالمهدي رئاسة الوزراء قبل نحو ما يزيد على العام، اطل الراحل المهندس عبر شاشات التلفزيون، منتقدا رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، الذي سعى بطريقة وأخرى الى تهميش الحشد، كما أشار المهندس الى ذلك.
وليس عبدالمهدي الوحيد المُحرَج، في الازمة بين واشنطن وطهران، ذلك ان القوى السياسية العراقية والشخصيات النافذة حتى تلك التي تجامل الولايات المتحدة تجد نفسها في حرَج من الموقف الأمريكي تجاه فصائل مقاتلة، حاربت مقاتلي تنظيم داعش الذين اجتاحوا ثلث أراضيه في العام 2014.
لكن واشنطن، التي سكتت في حقبة الحرب على داعش على الفصائل، صعّدت الخطاب السياسي والإعلامي ضدها، فور انتهاء المعارك، وهزيمة داعش، ما يعني ان مصلحتها في الاستفادة من الحشد لقتال داعش كانت توجب عليها الصمت إزاء استفحال نفوذه، لتتهمه – بعد ان وضعت الحرب أوزارها- بانه يخوض حربا بالوكالة عن ايران في المنطقة.
إنتبه عبدالمهدي، الى ضرورة ان يخبر مواطنيه بان ايران ابلغته بالضربة قبيل وقوعها، محاولة منه لكف الألسن عن اتهامه بالرضوخ لإيران، او انها لا تحترم العراق، وهي اتهامات وُجهت له ولإيران، في اكثر من مناسبة، لاسيما من قبل جمهور من المتظاهرين.
على هذا النحو يحاول عبدالمهدي ان يكون حياديا، فيما راح أنصاره يحاولون إظهاره بطلا في رفضه مكالمة وردت اليه من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اكثر من مرة، وهو أمر لم يتأكد، ولا يزال عبارة عن اشاعات في التواصل الاجتماعي.
واقع الحال، ان عبدالمهدي، عاطفيا، مع قوى الحشد الشعبي التي وجدت نفسها "مظلومة" في ان تُتهّم بانها تطيع بشكل اعمى، ايران، مثلما تُتهّم بانها تقمع المتظاهرين، على رغم غياب بيانات او احصائيات او تصريحات رسمية تؤكد ذلك، كما تجد هذه الفصائل نفسها، عنوانا للمظلومية باغتيال قائدها أبو مهدي المهندس.
لقد كسرت الازمة صخرة الحياد التي تقف عليها الحكومة العراقية التي توصف بانها شيعية باعتبار ان الشيعة يمثلون الأغلبية في البلاد، وراح اقطاب سياسية نافذة في الحكومة ومشارِكة فيها تدعو بشكل حاد الى طرد القوات الأمريكية المتمركزة بالعراق والمؤلفة من خمسة آلاف جندي.
تبلغ حراجة موقف عبد المهدي، في اعلى مستوياتها، حين يُعلم ان القوى السياسية التي اوصلته الى كرسي رئاسة الوزراء، مثل تحالف الفتح، وعصائب اهل الحق، تتطرف في موقفها من الوجود الأمريكي في العراق وضرورة ازالته.
كما يرى عبدالمهدي بأم عينيه انقساما واضحا حول النفوذ الأمريكي، ذلك ان السنة والكرد، لا يتحمسان لرحيل القوات الامريكية ويجدان في ذلك، الفرصة لمنح ايران والقوى الشيعية للسيطرة الكاملة على العراق، وعلى هذا النحو، تتعطل الماكنة السياسية العراقية في كل مرة عن انتاج مشروع واضح يتفق عليه العراقيون جميعا، الامر الذي سوف يجعل من العراق دولة ضعيفة بنيويا، لأمد طويل.