إدارة المؤسسات في العراق بين جيلين
محمد مصطفى معاش
2015-05-19 10:31
بات معروفا لدى الجميع إن التغيير أمر محتوم في كل مؤسسة ونظام، لأن الزمان متحرك والكفاءات البشرية في تنامي، والحاجات والضرورات في تزايد وإتساع، والى هذا يستند القائلون بأن التغيير سُنة من سنن الحياة.
وعليه لا يمكن أن تبقى الأعمال والمؤسسات والأنظمة على حالة واحدة دون تنامي أو تغيير، فعلى الجميع أن يتغير ويغير من أساليبه وأفكاره، إبتداء من الدول وأنظمة الحكم إلى المؤسسات وحتى الدوائر الاجتماعية الصغيرة في البيت والأسرة، ولعل قوله سبحانه: ((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)) يشير إلى بعض ذلك، فليس الجيل السابق نفس الجيل الحالي، ولا أبناء اليوم نماذج مكررة لأبناء الأمس، كما أن ثقافة الغد ليست تكراراً لثقافة وهموم قد تتفق معها الأجيال الأخرى وقد تختلف.
وقد ورد عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: ((لا تُقسروا أولادكم على آدابكم، فأنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم)) فإذا لم نبدأ بتغيير أوضاعنا وتطويرها بحرية وعقلانية وتوجيه فأنه سيفرض علينا التغيير، وربما في أشكال غير محمودة العواقب.
قبل كل شيء التغيير سهل ممتنع، بمعنى أنه صعب ولكنه غير مستحيل كإفتراض لا خلاف عليه، لا يمكن لقيادة إدارية متميزة ألا أن تقبل التغيير لأن من خصائص القادة بشكل عام هذه الرغبة الجامحة لتقديم شيء جديد وفكر جديد، أسلوب جديد وإبتكار جديد، كنوع من التحدي لمواكبة متطلبات مجتمعية موجهة لإيجاد تحولات هيكلية تؤدي إلى إستحداث قيمة مضافة في الكفاءة والفعالية المحققة للتنمية والتطوير.
لا يوجد حتى الآن منهج علمي محدد لإدارة التغيير في الهيئات والمؤسسات والشركات في العراق، بمعنى أنها لا زالت أفكاراً تجريدية لم ترتقي بعد إلى المستوى المنهجي الذي يحدد من خلال النظريات والنماذج والإجراءات المقننة التفصيلية لكيفية إستحداث التغيير وإدارته.
لم يعد ممكناً تجاهل التغيير بالإنتظار أو التردد من القيادات الإدارية في رعاية الشباب، لأن هذا التردد ليس إلا هروبا من الواقع. لا مندوحة أمام الإدارة في رعاية الشباب إلا بمقابلة تحديات إقتصاديات العولمة والمعرفة وصولاً إلى تحقيق الميزة التنافسية ضماناً لتحقيق الإستدامة ببناء هذا القدرة التنافسية في منهج ونهج المنافسة العالمية.
لا شك إن الترابط سيامي ما بين علم وفن الإدارة وإدارة التغيير، لأن منظومة العملية الإدارية ووظيفة المدراء في القيادة والاتصال، وإتخاذ القرارات ليست إلا عملية تغيير طبيعي تتم بين آونة وأخرى. الإدارة المتميزة هي التي تمتلك الإرادة والشجاعة وبالطبع التأهيل لإغتنام الفرص الريادية بركوب موجة التغيير للأفضل، لأنه من خلاله تتحقق التنمية الإدارية والتطوير الإداري والإصلاح الإداري.
ولذلك فإن جُل الحديث عن الشباب يتناول هذه المراحل الثلاث وفق طبيعة المهمة والقدرات والإمكانات المتاحة واللازمة.
من هنا فان دور الشباب في مشروع التغيير المعاصر يتمثل في اتجاهات ثلاثة:
الأول: البناء والقيادة والتخطيط والإدارة والتطوير الداخلي للمشروع ليبقى معاصراً وقادراً على الفعل، ومتجدد الأفكار والابتكار في الوسائل والأساليب،
والثاني: التفاعل مع المحيط والتأثر والتأثير به، فيما يعرف بالمعاصرة والتجدد الحضاري، والذي يمنع التكلس أو الجمود أو التخلف عن ركب التكنولوجيا، والمتطلع إلى واقع أفضل والذي لا تحبطه التحديات في سبيل ذلك،
الثالث: استمرار إنهاض المشروع من أي كبوة، وتقديم التضحيات في سبيل إنجاحه، وتحمل تبعات المواجهة مع الأعداء وقوة الشد العكسي في الأوطان وعلى الحدود، بما في ذلك التنافس وربما الصراع في المضمار الحضاري.
نحو رؤية تطويرية لدور الشباب في مشروع التغيير:
حتى نتمكن من تطوير دور الشباب بمشاركتهم وببرنامج متوازنٍ – لكنه عاجل – يقترح تبني إستراتيجية تتناول مختلف جوانب البناء والتطوير لواقع الشباب، وأهمها زيادة الاهتمام بالتربية على القيادة والريادة في العطاء والتضحية والتغيير في مراحل العمر الأولى، منذ الخامسة والسادسة عشرة، وببناء متصاعد للانجاز بحكمة الشيوخ وعزيمة الشباب، وزيادة انفتاح قيادات مشاريع التغيير على أفكار وطموحات الشباب المعاصر، وفهم شخصيته واستعداداته وتفعيلها في الخطة والإدارة، ورفع مستوى مشاركة الشباب في القيادة الميدانية والسياسية لمشاريع التغيير وفق متطلبات المرحلة والجغرافيا، وزيادة برامج التدريب والتخطيط والقيادة للشباب في مراحله المختلفة لتكون القيادة في مشاريع التغيير متجددة وشبابية بمجموعها، كما هو المشروع متجدد ومعاصر دائماً، وتوسيع دوائر توريث التجارب ونقل الخبرات إلى الجيل الشبابي وفق برامج منهجية على مستوى مشروع الأمة في التغيير بمكوناته المختلفة، واستبعاد نظريات الإقصاء والتهميش لقطاع الطلبة من بين الشباب، واستبداله بترشيد دورهم وفتح المجال أمامهم للتعبير عن ذواتهم وقدراتهم القيادية والفكرية، وتفعيل برامج البناء الفكري والثقافي للشباب، ونقله من مرحلة المعلومات المختصرة إلى مرحلة النضج الفكري والعقلي لتأمين قدرته على الانتقال بالمشروع بسلام وقوة وكفاءة، والتجهيز لإعداد الطاقات الشبابية وتوجيهها لمرحلة المساهمة في قيادة الدولة، بمفهوم بناء رجال الدولة والحكم المعاصر، وتبني الكفاءات المبدعة خاصة العلمية منها في مختلف مجالات العلوم والسياسة والفنون.
إذ لا بد أن نغير ما في أنفسنا وأفكارنا ومناهجنا إلى الأفضل ما دام التغيير سُنة من سنن الحياة، وإلا فان التغيير سيكون نحو الأسوأ، الشباب رجال الغد، وبناة المستقبل، وهم وصية النبي وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين) إذا إعتنينا اليوم بالشباب عناية خاصة، واهتممنا بهم اهتماماً مناسباً ولائقاً، من تربية صالحة، وإرشاد إلى الفضيلة والصواب، فانه ينشأ فيهم القادة الأبرار، والزعماء الأخيار، والرؤساء الصالحين، والأمناء المصلحون، وهذا الأمر بحاجة إلى همة كبيرة وشاملة من قبل كافة شرائح الأمة، لتعطي أحسن النتائج، وأطيب الثمار.