استقالة برهم صالح: شجاعة وطني أم شجاعة سياسي؟

مصطفى ملا هذال

2019-12-30 09:12

بعد تلويحه بالاستقالة رئيس الجمهورية برهم صالح يصبح مثار جدل بين الكتل السياسية والشارع العراقي بصورة متساوية، فبين مرحب لخطوته وآخر رافض لها يبقى الجدل قائم ويخيم الغموض على موقف اغلب الكتل التي احتجت على الموقف الاخير للرئيس صالح.

فموقف الرئيس العراقي برفض مرشح كتلة البناء لرئاسة الوزراء أسعد العيداني لايزال يحرك الاوساط السياسية دون توقف، اذ ترى بعض الكتل الراغبة في تنحي صالح ترى التلويح استقالة معلنة، بينما تقلل اخرى من اهمية الورقة وتصفها بالخيانة الوطنية بغية الضغط عليه ومن ثم الانصياع لارادتها.

لا هوادة في المشهد فمن ازمة الى اخرى يتأرجح الواقع بشكل يومي، مواقف سياسية متقاطعة بشان رئيس الجمهورية برهم صالح الذي قد يعيد الحسابات مجددا في بغداد، لكن السؤال المطروح والاكثر نضوجا في الوقت الحالي، هو هل سيعيد صالح محادثاته مع كتلة البناء الاكبر برلمانيا بشأن مرشحها او غيره لرئاسة الوزراء؟، ام انه سيعود للبحث عن مرشح يتوافق مع شروط الشارع؟.

خيارات متعددة من المحتمل ان يسلكها الرئيس صالح، من بينها مناقشة تسمية الكتلة الاكبر مع البرلمان بعد اعلانه تسلم خطابات متناقضة في هذا الشأن، كتله البناء النيابية التي تؤكد هي الاكبر في البرلمان دعت لعزل صالح وفق القانون متهمة اياه بحنث اليمين وخرق الدستور، في المقابل تساند كتله سائرون والحكمة والنصر موقف برهم صالح معتبرينه موقفا وطنينا، وتعد بأنها ستقف بوجه الخطوات التي تريد عزله، لكن ووفق النظرة القانونية فان صالح لم يخرج من طور التلويح بالاستقالة وليس تقديمها بشكل صريح.

بينما لم يخرج الموقف الكردي عن التوقعات التي تقول ان صالح يتعرض لضغوطات كبيرة من قبل الكتل السياسية التي تدير العملية في البلاد، بغية تمرير مرشحها الذي سيكون اداة طيعة بأيديهم كسابقه عبد المهدي.

وفي ظل التجاذبات نلمس من بعض الكتل السياسية نيتها في تحويل صالح لمجرد ساعي بريد لا اكثر، وظيفته استلام وتسليم المخاطبات دون التأثير على مضامينها او الوقوف بوجه القارارات المتخذة من قبلها بمعزل عن امنيات الشارع المنتفض منذ اكثر من شهرين.

توجيه تهمة خرق الدستور لصالح من قبل بعض الكتل السياسية لم يأتي من فراغ، اذ ترى انه خرق المواد القانونية للدستور لمرتين الاولى هو تجاوزه المدة القانونية لتسمية رئيس الوزراء، اما الآخر هو رفضه لمرشح كتلة البناء الاكبر، اذ لم يعطيه القانون الحق في الرفض ما دام مقدم من الكتل الاكبر.

فالوضع السياسي اليوم امام قضية شائكة جدا من الناحية السياسية والدستورية ولكنها اكثر تعقيدا من الناحية السياسية، ذلك بسبب الانقسام الذي تشهده الكتل السياسية الى جانب الشارع ايضا.

صالح اراد من التلويح امر في غاية الاهمية والمرحلة الحالية، فهو اراد مناغمة الشارع المنتفض والضغط على الكتل السياسية في ذات الآن كونه تعرض لضغوطات وقد تكون تهديدات خلف الكواليس ما لم يمرر مرشح كتلة البناء اسعد العيداني المرفوض من قبل الشعب بصورة قطعية.

وهنا ايضا يتبادر تساؤل يتعلق بالوضع الراهن، هو اذا كان المتظاهرين في ساحات العراق يريدون مرشحا من خارج الاحزاب لماذا في البرلمان مازالوا يصرون على مرشح الكتلة الاكبر؟، وبالتالي فأن ترشيح اي شخص سيقابله رفض من قبل الشارع، وبالنتيجة هذه هي الاسباب من وراء تلويح صالح بالاستقالة، في حين نلاحظ الكتل السياسية تضع الدستور هو الدرع الواقي لها من شرارة النيران الجماهيرية التي تريد مرشح من خارج الاطر السياسية والحزبية القائمة.

ولم نتوقف عن التساؤلات ويأتي في آخرها، لماذا هذا التناحر مادام الجميع يعرف ان الحكومة المقبلة هي حكومة مؤقتة الغرض منها تهيئة الاجواء لاجراء انتخابات مبكرة في حال اكتمال التحضيرات الضرورية ومن بينها سن قانون الانتخابات والمفوضية بشكله النهائي.

الحراك الشعبي متمسك بمبدأ اختيار شخصية غير جدلية تحظى بقبول من قبلهم والطبقة السياسية، وهنا نقطة الاختلاف والهوة الكبيرة بين الطرفين، كون الذي سيأتي بمباركة الشارع قد يكون خارج الدائرة التوافقية القائمة بين الاحزاب، وربما يعمل على فضح المؤامرات والصفقات الداخلية وهذا لن يرق لكثير منهم.

ويبقى الثابت لغاية الآن هو استمرار الجماهير على موقفها الرافض لاي مرشح من قبل الكتل السياسية، مع الاحتفاظ بشروط الاصلاح ذاتها، موقف يضع صالح في موقف حرج والطبقة السياسية هي الاخرى في وضع لا تحسد عليه، ولا احد يعلم حتى اللحظة ان كان صالح سينجح في اصلاح الامور من خلال اللقاءات المرتقبة، ام سيبحث عن حلول سياسية منتهية الصلاحية ولم تعالج المرض الذي استشرى في الجسد المؤسساتي العراقي.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي