خطوط الصدع على حدود الدولة العراقية

مسلم عباس

2019-09-07 06:32

من المفارقات ان يعيش العراق على ارضية صلبة من الموارد الطبيعية والمناطق الصالحة للزراعة والاستثمار بانواعه، وتوافر المياه واستقرار التربة واستوائها، فضلا عن موقعه الجغرافي الفريد بما يوفر بيئة مناسبة لدولة مستقرة ليس بالشكل التقليدي فحسب، بل لتكون انموذجا للاستقرار العالمي، لكن ذلك لا يحدث، بل تحولت الموارد كلها وكأنها جبال تهز الارض من تحت ساكنيها بشكل دائم.

في الاقتصاد اعتمدت الدولة على مورد احادي يتخذ من بيع النفط كمحفظة اولى بنسبة تزيد عن 90% ما جعل البلاد اسيرة تذبذبات اسعار الذهب الاسود، وتجلت مخاطر اهمال القطاعات الاخرى في الازمة المالية التي حدثت عام ٢٠١٤ وما زال الاقتصاد يعاني منها مع تزايد الاقبال على الوظائف وتخريج أجيال جديدة من الشباب الذي يتزاحم حول مؤسسات الدولة، ولان القطاعات الاخرى مهملة لا يجد المواطن فرصة عمل بدون الاعتماد على الوظائف الحكومية التي تمولها واردات النفط، وكلما زاد الاعتماد على الوظائف زاد الضغط على النفط وضعفت القطاعات الاخرى حتى انهارت كلياً او كادت.

في السياسة تبدو الامور مقاربة لديكتاتورية النفط، فلا حدود بين ما هو سياسي، وما هو قانوني، وما هو تشريعي، تقريبا كل شئ خاضع لمعايير السياسة، حتى القضاء يحتاج لطرق أبواب السياسة ليمارس دورا اقل مما يكفله له الدستور، فالدولة العراقية تعاني فعليا من صدع زلزالي سياسي واقتصادي واجتماعي، فلا شيء هنا قابل للاستقرار مدة معينة، يمكن ان ينهار في اي لحظة، لدرجة ان يصل الزلزال لمرحلة تدمير اهم مؤسسة في البلاد وهي المؤسسة الامنية والعسكرية (الدفاع والداخلية)، لاسباب سياسية.

الاحزاب هنا غير مستقرة فهي تعمل كوكلاء للخارج، يتفاخر مسؤول حزبي بان احد الجنرالات في دولة معينة قد منع حزبا عراقيا اخر من تسنم اي منصب سيادي في العراقي، (اي ان الجنرال الاجنبي قد تدخل حتى في التعيينات الخاصة) هذا ليس كل شيء فهناك ما هو اكبر.

اذن السياسة هنا هي الحاكم والسلطات الأخرى وظيفتها توفير الظروف المناسبة لاستغلالها في تحقيق غايات خاصة، قد تخدم حزبا سياسيا او تخدم دولة جارة او دولة كبرى، لا بأس ما دامت تلك الاحداث توفر انتصارا لفريق معين على اخر، فيحق لنا سحق الدستور، والقوانين النافذة، حتى ان تشكيل الحكومة اليوم يظهر كانجاز لدولة خارجية على دولة خارجية أخرى، وما بعد كل انتخابات هناك شواهد كثيرة من هذا النوع.

في مقابل هذه الرتابة في الصراع لكنه ليس بهذه البساطة، فهو معقد لتداخل القوى الاقليمية والدولية فيه، اذا اننا نتفق على مسألة محددة ان كل حدث تقريبا يتم توظيفه سياسياً، بغض النظر نوعيته وذلك من اجل الاستفادة منه في الصراع، وبما ان السياسة الوطنية لها امتدادات خارجية، فهنا يصعب تصوير اي مسألة خلافية على انها شأن داخلي وطني خالص فهذا تبسيط شديد لان الامتدادات الخارجية موجودة لدى كل الاحزاب والتيارات السياسية.

وهذا يجعل من الصعب على المواطن الوقوف مع قضية سياسية تدور في بلده لانها تختلط مع مصالح دول الخارج، فهو يخشى ان يتهم بالعمالة لهذه الدولة او تلك لانه يناصر المسألة الفلانية، رغم اعتقاده بان فيها من المصلحة الوطنية الكثير وفيها ما يستحق عناء الدفاع عنها بكل السبل المتاحة، وكان لسان حال المواطن يقول علينا ان لا ننبذ كل الاحداث ونركن الى زاوية معينة لكون الصراعات هي تمثيل للخارج، اين دورنا كفاعلين في هذه الاحداث؟ على الاقل انها تجري على ارضنا ونتضرر منها اكثر من غيرنا، فكل صراع فيه نسبة كبيرة من المصلحة الوطنية بغض النظر عن المصلحة التي يحققها للطرف الخارجي.

هذا التداخل ما بين ما هو وطني، وما هو تحقيق لمصالح الخارج يتطلب منا ان نحلل كل حدث على حدة ونفكك ابعاده، ومن هم الاطراف الفعليين فيه ثم نتبنى خط الخطاب اما بالتجاهل او التناول المحايد او التناول المتحيز لمصلحة البلد، لا ننكر وجود اجندات إقليمية ودولية لكن علينا ان لا نسمح باختطاف البلد لصالح تلك الاجندات بحجة انها تتحكم بنسبة كبيرة من السياسة العراقية، فالواجب في المرحلة الراهنة هو التفتيش عن المصلحة الوطنية في كل حد.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا