الاصلاح بين وعي المواطن وترسانة القوانين غير العادلة
مسلم عباس
2019-05-07 08:16
في الانتخابات البرلمانية الماضية نشر مسؤول الحملة الانتخابية لاحد المرشحين سلسلة مقالات عن الوعي الانتخابي شارحا فيها أنماط الوعي ودوره في ااصلاح أوضاع البلد، وبعد ان فاز المرشح واصبح نائبا لا تزال نفس الأصوات تلقي اللوم على المواطن لكون لم يؤدي دوره بالتغيير الذي يسهم في الإصلاح، وهنا يطرح السؤال المركزي: هل الإصلاح عملية ترتبط باختيارات المواطن فقط؟ ام ان هناك عناصر أخرى تعرقل مسيرة التغيير؟
ينطلق اغلب النواب والمحللين السياسيين والمثقفين من قاعدة أساسية، وهي ان العراق بلد ديمقراطي تعددي، ومن ثم فان أي تغيير في المراكز السياسية للأحزاب هو نتاج قرارات اتخذها الشعب، باعتبار ان الانتخابات تمثل العنصر الجوهري في كل الحلقات الأخرى من برلمان وحكومة ومسوؤلين في المراكز الإدارية الاقل شأنا في الدولة.
لكن في العراق لا تعكس الانتخابات خيارات المواطن دائما، انما هي نتاج لحركة متعددة من متغيرات الداخل والخارج، وما بينها شيء من الحيل القانونية التي تلتف على صوت المواطن، لترفع بعض القوائم الانتخابية الى المراتب الأولى بعد تخطيها نظاما حسابيا معقدا يجعلها تستحوذ على أصوات انتخابية هي في حقيقتها كانت لقوائم انتخابية أخرى.
وحتى داخل القائمة الانتخابية الواحدة، هناك سوء توزيع للاصوات فيمكن ان يحصل مرشح على عشرة الاف صوت دون ان يفوز بمقعد برلماني، بينما يمكن لامرأة مرشحة ان تحصد بضع مئات من الأصوات لتجدها تحت قبة البرلمان، والسبب هو قانون "الكوتا" النسائية الذي يضمن ما لا يقل عن 25% من مقاعد البرلمان للنساء، بحجة انصاف العنصر النسوي، وهو ما تسبب في صعود نساء لا يمثلن الا مئات من الأشخاص.
في مقابل التحايل السابق لا توجد "كوتا" او رقم محدد للمشاركة الانتخابية، بمعنى ان قانون الانتخابات لا يضمن إعادة الانتخاب في حال حصول مشاركة متدنية، باقل من 30% او 20% من الأشخاص الذين يحق لهم الانتخاب، وبالتالي لا تنفع هنا المقاطعة الانتخابية اذا ما أراد الشعب معاقبة الطبقة الحاكمة.
النقطة المضافة لكل هذا التلاعب القانوني باصوات المواطنين، هي العمليات الجانبية التي ترافق الانتخابات، ففي الدورة الأخيرة حدث أمور تثير الرعب والضحك في آن واحد، فالصناديق الانتخابية تحترق، والشكاوى بالالاف، والمشاركة متدنية جدا، وهناك اتهامات بالتزوير والتلاعب، الا ان الأمور سارت بشكل طبيعي وكأن شيئا لم يحد.
هذه المعادلات الانتخابية، والتمثيل غير الدقيق لاصوات الناخبين، تجعل المنافسة غير عادلة، أي ان هناك أطرافا يمكنها تحقيق أهدافها باقل جهد، بينما يصعب على غيرهم تحقيق الفوز الا بعد عناء كبير، هذا هي ما يمكن ان نسميه العدالة في التصويت.
اليس هذا كافيا لنتوقف عن اتهام المواطن بقلة الوعي وعدم تمكنه من اختيار الاصلح؟ اليس الاصلح ان نصلح قانون الانتخابات؟ ونعدل قواعد صعود النواب بدل كيل الاتهامات لمواطن لا حول له ولا قوة الا التاشير بالقلم على احد المرشحين بينما تبقى كل العمليات الأخرى خارج حساباته، وحتى بعد انتهاء العملية الانتخابية، وبدء التحالفات السياسية، نجد ان صوت المواطن مغيب تماما، بعض الكتل لها عدد قليل من المقاعد لكنها تتحكم في سير البرلمان وقراراته لكونها تملك حصانة خارجية ودعما غير محدود.
القرارات التي تتحكم فيها تلك الكتل المدعومة خارجيا تذهب بمنبر الشعب "البرلمان" الى صراعات دولية لصالح دول كبرى او صغرى، فالشعب خرج بالتظاهرات منذ منتصف ولاية رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي وحتى نهاية ولاية حيدر العبادي، يطالب بالخدمات وتحسين واقعه المعيشي، وتطبيق القوانين، وتقليل الفجوة بين الاغنياء والفقراء.
ورغم التظاهرات المليونية السنوية، الا ان البرلمان يعيش في كوكب اخر، فهو ينسى كل تلك الصرخات ويذهب بالبلاد الى صراع اقليمي ودولي، طرفاه الولايات المتحدة من جهة، وايران من جهة اخرى. البرلمان يصرخ يوميا بضرورة اخراج القوات الامريكية من العراق، والمبرر هو حفظ السيادة الوطنية، ودعوة مثل هذه يصعب الاعتراض عليها، او حتى التوقف عندها للنقاش، لان السيادة مسألة وطنية، لكن الحقيقة ان الموضوع يرتبط باجندات اقليمية واهداف لدول اخرى تريد ضرب المشروع الامريكي في المنطقة.
العراق دولة ضعيفة، ويحتاج للبناء اكثر من الحروب، لا يموت المواطن جوعا اذا بنت القوات الامريكية قواعد لها في الانبار، ولا تتوقف مياه الامطار عن النزول اذا افتتحت سفارة للسعودية او ايران، الا ان ابقاء فاتورة المتنفذين مفتوحة هي ما تستهلك قوت الشعب، وتدفع الكثير نحو اودية الفقر والحرمان.
نعم نحن نرفض اي تدخل خارجي، ولا نريد تواجدا امريكيا ولا سعوديا ولا ايرانيا، الا في حدود المصلحة الوطنية لكن هل يعقل ان يتم تركيز كل جهود العراق للحرب، الا يحتاج الشعب لهدنة ولو لفترة قصيرة، فحتى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه واله قد عقد اكثر من معاهدة صلح حينما اراد بناء الدولة، فهو يعرف ان تحويل حياة الناس الى حرب دائمة غير مفيد ويستنزف الطاقات ويحول البلد الى لقمة سائغة للخصوم.
من يقول بان الشعب لا يعي قراراته، فليعلم ان الكثير من النواب لا يعلمون كيف وصلوا الى قبة البرلمان مستفيدين من القوانين الانتخابية غير العادلة، وهم لا يعرفون أيضا لماذا يشرعون قوانين لاخراج القوات الامريكية بدل تشريع قوانين إصلاحية اكثر نفعا للمواطن، ومن هنا فان من يتهم الشعب بقلة الوعي عليه الانتباه الى من ينتهكون حرمة القانون عبر تشريعات لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية، مرة عبر تشريعات انتخابية غير عادلة، وأخرى عبر تشريعات تأخذ البلاد الى حافة الحروب والأزمات.