اين وصلت استراتيجية بن سلمان لبناء التحالفات الكبرى؟
مسلم عباس
2019-02-10 04:40
عند الحديث عن أكبر التحالفات العسكرية في الشرق الأوسط فالسعودية تاتي كدولة رائدة في هذا المجال، لديها التحالف العربي للحرب في اليمن، والتحالف الإسلامي للحرب ضد الإرهاب، وتبحث مع دول الخليج فكرة انشاء "ناتو عسكري عربي"، اما في المجالات الاقتصادية فلديها مشروع رؤية 2030 الذي يعد اكبر تحول اقتصادي في تاريخ المملكة، ومشروع نيوم الذي يتجاوز الخمسمائة مليار دولار ومشاريع اقتصادية كبرى تركز في اغلبها على نقل البلاد الى العلمانية عبر الترفيه.
اهم تحالفات السعودية هو التحالف العربي للحرب في اليمن، وتعتبره نقطة التحول في صراعها مع ايران التي تمثل العدو التقليدي، وقد بدأ عمليا بعاصفة الحزم في مارس اذار عام 2015 لاستعادة المناطق التي سيطر عليها الحوثيون واعادة الحكومة الرسمية العاصمة صنعاء برئاسة عبد ربه منصور هادي، وخلال تلك الفترة تم الترويج في وسائل الدعاية السعودية على ان الحرب خاطفة وقصيرة الأمد، حتى انها اشتقت من "عاصفة الصحراء".
نحن اليوم على اعتاب العام الرابع لعاصفة الحزم التي تم تعديلها الى اسم "إعادة الامل"، الا اننا لم نشهد تفكيكا فعليا لحلفاء ايران في اليمن، ولم يطرد الحوثيون مع العاصمة صنعاء، بل عاد اغلب المشاركين في الحرب الى اوطانهم، بدأت الانسحابات من التحالف العربي بالازمة الخليجية، حيث انسحبت على اثرها قطر ووجهت وسائل اعلامها القوية ضد التحالف الذي كانت من بين المشاركين فيه.
مسلسل الانسحابات
كانت قطر ضمن دول عربية أخرى هي الإمارات والبحرين ومصر والكويت والأردن والسودان والمغرب وماليزيا، في 28 حزيران 2018، التحقت كوالالمبور بالدوحة حيث أعلن وزير الدفاع الماليزي محمد سابو انسحاب بلاده رسمياً من التحالف، مؤكداً أن بلاده تريد علاقة متوازنة مع جميع الأطراف في المنطقة عدا دولة الاحتلال الإسرائيلي.
السودان أبلغ في ايار الماضي، السعودية رسمياً أنه لا ينوي التجديد لقواته العسكرية التي تشارك في التحالف، بدءاً من حزيران المقبل بحسب تقرير نشره موقع "الأحداث نيوز" السوداني.
اخر المنسحبين كانت المملكة المغربية التي أعلنت الخميس (8 فبراير) انسحابها من التحالف اذ أعلن مسؤول حكومي مغربي أن الرباط أوقفت مشاركتها في العمليات العسكرية مع التحالف، مؤكداً لوكالة "أسوشييتد برس" أن بلاده لن تشارك في التدخلات العسكرية أو الاجتماعات الوزارية في الائتلاف الذي تقوده السعودية.
الهوس بالتحالفات التلفزيونية
تشكيل التحالفات السعودية لم يكن مبني على قاعدة ثابتة، فاغلبها كان من اجل تحقيق هدف دعائي تثبت من خلالها القيادة الجديدة انها قادرة على الفعل، او قادرة على تجميع العرب في معسكر واحد لمواجهة العدو الإيراني وفق القاموس السعودي.
لم تكن هناك خطط حقيقية ولا اجتماعات تمهيدية، كل ما في الامر ان وسائل الدعاية أعلنت عن التحالف، وما يؤكد عشوائية سياسات الرياض في هذا المجال هو دفعها الدول التي تتقارب معها الى اكثر من تكتل وبنفس طريقة سابقاتها، فاعلنت عن تحالف يضم 41 دولة إسلامية، في شهر ديسمبر 2015، والهدف المعلن للتحالف هو توحيد جهود الدول الإسلامية في مواجهة الإرهاب.
واستحدثت السعودية ما يشبه تحالفاً سداسياً دُشن باجتماع عقد في 31 يناير الماضي في الأردن، ضم وزراء خارجية مصر والبحرين والإمارات والسعودية والكويت والدولة المضيفة، الجديد في هذا التحالف بحسب ما تقول وسائل اعلام خليجية أن أحداً لا يعرف بعد ماهيته ولا أهدافه، بل إن الاجتماع عقد دون جدول أعمال أو أجندة مسبقة، ولم يتم الكشف عن القضايا التي بحثها الوزراء المجتمعون.
ولم تتوقف السعودية عن هوسها بالتحالفات الجديدة اذ اقترح وزير الخارجية السابق عادل الجبير، إلى إنشاء تجمع لدول البحر الأحمر والقرن الأفريقي؛ لـ"منع أي قوى خارجية من لعب دور سلبي" في تلك المنطقة الاستراتيجية.
لماذا تبخرت التحالفات
السعودية الحالية تهتم بالقضايا الشكلية لذلك تنهار مبادراتها بعد مدة قصيرة، فاذا كانت لم تستطع الحفاظ على تماسك تحالفاتها العسكرية، ماذا عن مبادراتها الاقتصادية الداخلية مثل رؤية ٢٠٣٠ ومشروع نيوم؟ هل سيكون مصيرهما مثل التحالفات العسكرية؟
المؤشرات تبين انها شبيهة بالتحالفات العسكرية، فمؤتمر دافوس الصحراء كان شاهدا على حجم المشكلات التي تواجه نظاما اقتصاديا يكون اشبه بالرشوة منه الى بنية شاملة ذات رؤية واضحة. وانسحبت اغلب الشخصيات والشركات المدعوة لدافوس الصحراء على اثر جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي.
كل أوراق السعودية المكشوفة أصبحت مملة للجمهور، ولم تعد فكرة التحالفات مع العرب مجدية، لذلك تعزز علاقاتها مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لتحقيق هدفين أساسيين، الأول التغطية على فشلها في جمع العرب على طاولة واحدة، والذي اضعفها سياسيا وعسكريا، والثانية الحصول على نوع من الحماية من اقوى دولة في الشرق الأوسط، واقوى دولة في العالم.
وبهذه الطريقة يمكن للقيادة السعودية الجديدة كسب الوقت وتحقيق بعض النجاحات الشكلية بانتظار ما يأتي به المستقبل. ربما تنقذها أموال النفط اليوم وينقذها ترامب ونتنياهو، لكن تلك استراتيجية محفوفة بمخاطرة كبيرة، فالكونغرس الأمريكي يضغط بقوة على ترامب، وهو بصدد اصدار تشريعات قاسية ضد الرياض، والحالة الشعبية والطبقة السياسية الامريكية وضعت السعودية ضمن لائحة الدول التي لا يمكن الوثوق بها.