رسالة عراقية من الجزائر
مسلم عباس
2018-09-11 07:59
كما هو معتاد، تندلع الازمة قبل وقت النوم بقليل، فتاخذ الكثير من وقت راحة الشعب العراقي الذي يقطن شبكات التواصل الاجتماعي، قنبلة طائفية تنفجر في الجزائر، في مباراة لكرة القدم بين نادي اتحاد العاصمة الجزائري والقوة الجوية العراقي، وعلى اثر ما حدث تطايرت شظايا العنف الرمزي في الميدان العراقي، مُولدة نقاشا حاميا بين الجماهير، سادت فيه روح الشتائم التي تعكس حالة الفراغ الفكري والشعور بالهزيمة من الاخر، لعل الشتيمة تعوض قليلا من هذا الألم.
ما جرى في الجزائر إشارة أخرى تدعونا للتامل في صورة العراق لدى الشعوب العربية، فاخذ النقاش بسطحية لا يجدي نفعا، واتخاذ القرار بعدم الخوض بالموضوع بحجة عدم اثارة المشكلات جريمة بحق الوطن، ففي البداية لا بد من الاتفاق ان جمهور الملاعب لا يمثل شعب الجزائر اطلاقا، ولا من قاموا بكيل الشتائم يمثلون أي من الشعبين العراقي او الجزائري، لكن هناك ثلاث مسائل أثيرت لا بد طرحها على طاولة النقاش.
ومن غير المنطقي ان يتم تعميم رأي مجموعة من الشباب العاطفي على شعب كامل. والجمهور الذي هتف عنصريا وطائفيا لا يتجاوز بضعة الاف يشبهون تماما جيل الالفية الجديدة في العراق الذين يعتبرون صدام بطل الابطال وهم لا يعرفون معنى العيش على "المهفة"، والخبر اليابس الذي يوضع بالماء حتى يكون صالحال للاكل.
ذاكرة الجريمة
لكن علينا التفكير بواقعية اكثر وتشخيص المشكلة بدقة دون التملق للعرب او الحط من شانهم، فالشعب العراقي يواجه مشكلة كبيرة في التعامل مع المواطن العربي، فهم ينظرون اليك على انك تابع لايران شئت ام ابيت، وهذه مشكلتهم وليست مشكلتنا، انها ازمة الجهل المتجذرة لانهم لا يقرؤون، ومن لا يقرأ يصدر الاحكام جزافا.
يعبد الكثير من العرب الديكتاتور صدام، لانه اجاد فن الخطاب الاجوف، لا يذكرون منه الا 39 صاروخا اطلقها على إسرائيل، تتعطل ذاكرتهم عند التوقف مع غزو الكويت، وما جرى فيها من ويلات وتحولات دمرت المنطقة العربية باسرها، فهم يعتمدون الأفكار المعلبة التي تروجها وسائل الاعلام لأغراض انية، ولا يفتشون عن حقيقة إنجازات هذا الطاغية العدواني، وتتوقف الذاكرة العربية أيضا مع محاولته الهجوم على الجارة العربية السعودية.
الذاكرة العربية المثقوبة تنسى ان صدام استخدم الأسلحة الكيميائية ضد شعبه الكردي، (وهم نفسه الذين ينسون كيميائي اكراد العراق يستشيطون غضبا من كيميائي بشار الأسد رغم ان الجريمة واحدة)، انحنى صدام امام الاكراد راكعا راضيا بحكمهم الذاتي على شمال العراق، وتحولوا الى دولة في زمنه الذي قيل ان العراق كان يتمتع بهيبة دولية، وهي هيبة فارغة غير موجود الا في شاشات الاعلام البعثي في ذلك الوقت ولا تزال اصداؤها في اذهان العرب.
المقابر الجماعية هي الأخرى شاخص على ابشع الجرائم التي ارتكبت بحق المواطن العراق من اجل تثبيت حكم الديكتاتور صدام، وفي تسعينيات القرن الماضي تحول الجوع الى موضة يتمتع بها كل افراد الشعب العراقي، ومن لم يأكل الخبز اليابس أصابه لهيب حر الصيف الذي تغيب فيها الكهرباء عن الأنظار، والتي لا تزال اثارها مستمرة حتى يومنا هذا.
من المتواطئ
هذه الذاكرة العربية التي ندينها اليوم، جزء من ترسبات الاعلام البعثي الذي يمجد الشخص، ويرفعه الى مستوى الاله، وبينما قامت القوات الامريكية بتحطيم تمثال هذا المعبود، وفي ظل غياب اعلام يكشف حقيقة جرائمه ازداد العربي حبا به، وكراهية لكل من يعاديه، وبالطبع فان الشخص الذي يهلهل فرحا بدستور جديد للبلاد يعد مجرما في نظر العربي الجريح بفقدان قائده.
غابت الدبلوماسية العراقية طوال السنوات الماضية عن توضيح التاريخ العراقي في زمن الطاغية صدام، اذ ركزت وزارة الخارجية وقنصلياتها على تقاسم السلطة والمناصب في الخارج، وحيث لا توجد سياسة قومية حقيقية استلم خصوم البلاد زمام المبادرة لرسم لوحة مشوهة عن العراق، نتلمس اثارها اليوم وسنتلقى ضربات اكثر ايلاما في المستقبل.
على وزارة الخارجية العراقية ان تفعل جهودها في المجال الدبوماسي، وان لا تركز على الوسائل التقليدية في العمل، فاستغلال التقنيات التي تستخدمها الجماهير ضروري من اجل مخاطبتها، لنتخذ من القنصل الياباني في البصرة انموذجا ونتعلم منه قواعد العمل الدبوماسي ونعيد رسم صورة إيجابية للبلاد. كما تقع على القناة العراقية الرسمية مهمة كبيرة في اعداد برامج تثقيفية تعرف الشعوب العربية بتاريخ العراق ونقل الواقع بحرفية، وان تأخذ هذا الموضوع بجدية اكثر، فالقادم أسوأ بكثير، والشكر موصول لجمهور الجزائر لانه نبه بضرورة إعادة حساباتنا فالمشكلة عراقية تحتاج الى علاج من الداخل ولا فائدة من شتيمة المهزومين.