مستقبل العراق من يحدده؟

علاء العوادي

2015-03-25 11:39

في آخر حوار لديفيد باتريوس مع صحيفة واشطن بوسطت، الذي كان يعمل القائد السابق للقوات الاميركية في العراق والرئيس الاسبق للمخابرات الاميركية، يؤشر الى تغير موازين القوى في داخل العراق على ضوء الصراع مع داعش.

يلمس من يطلع على مفردات اللقاء أن الوضع في العراق محصور بين متغيرين هما "مستقبل الصراع مع داعش، ومخرجات الاتفاق النووي الايراني مع الولايات المتحدة الاميركية"، لذلك تبين قراءة مستقبل العراق على ضوء هذين المتغيرين، بأن الوضع العراقي محكوم بتأثيرات ملامح الجغرافية السياسية الجديدة التي أخذت تظهر بعد حرب الخليج الثانية، بمعنى تحول العراق الى بؤرة صراع كما يسميها المؤرخون المعاصرون، في المنطقة والتحكم بهذه البؤرة يقود نحو صياغة عوامل مختلفة، تمكن الفاعلين الدوليين والمحليين بمسك الترتيبات النهائية للمشروع الدولة وانتاج مؤسساتها المطلوبة.

عندما نحاول رصد فاعلية كل متغير على حده حتى يمكن لنا متابعة خطوط الصراع وتفاعلاتها وكيف تؤثر على الارض العراقية سياسيا واجتماعيا، فالصراع مع داعش جعل الدولة العراقية بعد 2003 تعيش حالة انكشاف على مدى عميق، حيث ظهرت مؤسسات مهمة ومؤثرة مثل مؤسسة الجيش في وضعية فقدان الوظيفة والدور التي أنشأت من أجله، لهذا حدث فراغ دفعت نحو تعويضه نشوء تشكيلات موازية لعمل ودور مؤسسة الجيش، كان وضع الامن وتحدياته أنتجت تلك التشكيلات فضلا عن ذلك هي موجودة على أرض الواقع.

لو أطلعنا على الدراسة التي أعدها الباحث رائد الحامد لمركز الجزيرة للدراسات عن تشكيلات الحشد الشعبي، نلاحظ ان الرؤية العربية لهذه المؤسسة العسكرية الناشئة تقوم على أنها بديل غير معلن لدور الجيش الامني، لهذا تعالج الدراسة تحول تراتبية المؤسسات العسكرية وقدراتها على أداء وظائفها المناطة بها، السؤال التي تسعى لوضعه هذه الدراسة عن مستقبل تجربة الحشد الشعبي بعد الانتهاء من قتال داعش؟، لاسيما بعد بروز ظواهر اجتماعية واعلامية تعبر عن نمط مغاير من الصراع .

كذلك مكنت تجربة الحشد الشعبي من بناء رمزية مغايرة عن رمزية الجيش والشرطة، على أساس الانطلاق من واجب معنوي "فتوى الجهاد الكفائي"، على العكس من مؤشرات الفساد والمحسوبية التي نخرت مؤسسة الجيش والشرطة، وجعلته يفقد جانب كبير من ثقة شريحة واسعة من المجتمع العراقي به.

يقودنا عامل تحول موازين القوى نحو الانتباه الى الشكل المتوقع ظهور مستقبلا لمعالجة أزمات الوضع الامني، بمعنى يبرز السؤال لو ظهرت تشكيلات ارهابية جديدة مثل داعش هل ستعاد نفس الخطوات او يظل الجيش هو المؤسسة المتخصصة بهذا الشأن؟.

على مر تاريخ العراق السياسي المعاصر نلاحظ اندفاع الحاكم ومؤسسته نحو الاعتماد المتزايد على الجيش كمؤسسة تستطيع القيام بعمليات الضبط العام التي تحتاجها الدولة في ردع أي جماعة مسلحة او سياسية، ما يعني أننا امام حالة مختلفة في تاريخ العراق السياسي المعاصر هو فقدان مؤسسة الجيش قدرتها على اداء هذا الدور.

مستقبل العراق بعد الاتفاق النووي:

ظلت لفترة طويلة غائبة عن دراسي الشأن العراقي ثنائية "الجغرافيا وتأثيرها على التاريخ" حيث انصبه اهتمام الباحثين بقراءة التحولات العراقية منذ 1921 ولغاية الان من زاوية التاريخ السياسي دون النظر الى جغرافيا العراق، فلم يظهر في العراق توجه بحثي كالذي أسسه المفكر المصري جمال حمدان حينما درس شخصية مصر من خلال مكانها الجغرافي، اذ انتج هذا التوجه عن بناء السد العالي واعادة صياغة تحالفات مصر السياسية والتاريخية، الجغرافيا العراقية تقوم على سمات متناقضة، فهناك دول تجاور العراق فاعلة ومؤثرة على طول التاريخ العراقي، كذلك هذه الدول متصارعة فيما بينها أيديولوجيا وسياسيا.

المعاينة الاولية للجغرافيا العراق تكشف لنا أن هذا البلد مأوزم بمكانه، وبمراجعة بسيطة لتاريخ الصراع في العراق نجد ان الجغرافيا كانت العامل الرئيسي بتشكيل هذا الصراع، ولو أخذنا نموذج تأثير الجوار الجغرافي بين العراق وإيران، على الحراك السياسي في البلدين، لاسيما بعد قرب الوصول الى أتفاق نووي بين أميركا وإيران.

نحلل نموذج الجوار المذكور من خلال عدة مقاربات، منها التأثير السياسي لكل بلد على الآخر، ومن يمتلك حجم التأثير الاكبر إيران أو العراق؟، المقارنة الجغرافية بين البلدين تظهر إيران تحمل عوامل تأثير أكثر من العراق، ولهذا ظل العراق واقع تحت الاستفزاز السياسي الايراني حينما تستثمر ايران الاستفزاز في النفوذ في مناطق جغرافية أخرى.

عندما نعود الى خليفات الصراع السابق بين النظام السابق وايران، نجد أن اطلاق الحاكم المقبور على العراق البوابة الشرقية لم يأتي من باب المصادفة انما بحكم الجغرافيا، فالاطلاع على مكان العراق الجغرافي في منطقة الشرق الاوسط، نجد انه يحمل سمة البوابة فالموقع العراقي كان من يدخل الاقوام القادم وتخرج منه الاقوام الغازية، بالتعبير الجغرافي "نقطة تقاطع/cross- crossing"، هذه الخاصية لم يلتف اليها السياسيين العراقيين سوى قلة نادرة، تذكر المرويات التاريخية الشفاهية، ان نوري سعيد كان واعي لتأثير ايران على العراق من خلال استيعابه للاختلافات الجغرافية وارتباطها بقدرات التأثير والتدخل.

مع قرب التوقيع على الاتفاق النووي بين إيران وأميركا كما ذكرنا سابقا، هذا الاتفاق سيتيح لإيران اكتساب عوامل مساعدة جديدة لاسيما على الجانب الاقتصادي واعادة قبول إيران بالوسط الدولي بشكل مختلف عن ما قبل الاتفاق، من هنا كيف سيؤثر هذا كله على العراق؟، انطلاقا من ان لإيران خبرة عميقة بالملف العراقي، بحكم الجغرافيا والتاريخ.

متى يأتي اليوم الذي يشرع فيه العراق لفهم إيران لكي يواجه ضغطها السياسي والجغرافي، وليس العكس الذي يظهر ان إيران دؤوبة في فهم العراق، يذكر لي أحد الاصدقاء أنه في آخر زيارة لإيران وهو يتجول بين مكتبات طهران، وجود العشرات من الكتب التي تتناول الشأن العراقي بمختلف أشكاله بدءا من السياسي الى الحركات المسلحة الى مستقبل النظام السياسي بعد 2003، على الجانب الآخر تخلو المكتبات العراقية من اي كتاب يبحث الشأن الايراني.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي